التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٦ - الصفحة ٢٨
يظفروا بمحمد (صلى الله عليه وآله) لم يبرحوا حتى يرد محمد علينا عهدنا وعقدنا فإنا لا نأمن من أن تفر قريش ونبقى نحن في عقر دارنا ويغزونا محمد (صلى الله عليه وآله) فيقتل رجالنا ويسبي نساءنا وذرارينا وإن لم نخرج لعله يرد علينا عهدنا، فقال له حيي بن أخطب: تطمع في غير مطمع قد نابذت العرب محمدا الحرب فلا أنتم مع محمد (صلى الله عليه وآله) ولا أنتم مع قريش، فقال كعب: هذا من شؤمك إنما أنت طائر تطير مع قريش غدا، وتتركنا في عقر دارنا، ويغزونا محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال له: هل لك عهد الله علي وعهد موسى أنه إن لم تظفر قريش بمحمد (صلى الله عليه وآله) إني أرجع معك إلى حصنك يصيبني ما يصيبك، فقال كعب: هو الذي قد قلته لك إن أعطتنا قريش أشرافهم رهنا يكونون عندنا وإلا لم نخرج. فرجع حيي بن أخطب إلى قريش فأخبرهم فلما قال: يسألون الرهن، قال أبو سفيان: هذا والله أول الغدر قد صدق نعيم بن مسعود لا حاجة لنا في إخوان القردة والخنازير.
فلما طال على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأمر واشتد عليهم الحصار، وكانوا في وقت برد شديد وأصابتهم مجاعة، وخافوا من اليهود خوفا شديدا وتكلم المنافقون بما حكى الله عز وجل عنهم، ولم يبق أحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا نافق إلا القليل، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبر أصحابه أن العرب تتحزب علي ويجيؤوننا من فوق، وتغدر اليهود، وتخافهم من أسفل وأنه يصيبهم جهد شديد ولكن تكون العاقبة لي عليهم، فلما جاءت قريش وغدرت اليهود، قال المنافقون: " ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " (1) وكان قوم منهم لهم دور في أطراف المدينة فقالوا: يا رسول الله تأذن لنا أن نرجع إلى دورنا فإنها في أطراف المدينة وهي عورة، ونخاف اليهود أن يغيروا عليها وقال قوم: هلموا فنهرب ونصير في البادية ونستجير بالأعراب فإن الذي كان يعدنا محمد (صلى الله عليه وآله) كان باطلا كله، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر أصحابه أن يحرسوا المدينة بالليل وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) على العسكر كله بالليل يحرسهم فإن تحرك أحد من قريش نابذهم، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجوز الخندق ويصير إلى قرب قريش حيث يراهم فلا يزال الليل كله قائما وحده يصلي فإذا أصبح رجع إلى مركزه، ومسجد أمير المؤمنين (عليه السلام) هناك معروف يأتيه من يعرفه فيصلي فيه، وهو من مسجد الفتح إلى العقيق أكثر من غلوة النشاب.
فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أصحابه الجزع لطول الحصار صعد إلى مسجد الفتح، وهو الجبل

(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»