التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٦ - الصفحة ٢٤
القتال، في عينيه الحمرة، وبين كتفيه خاتم النبوة، يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر، فان كان هو هذا فلا يهولنه هؤلاء وجمعهم، ولو نادى على هذه الجبال الرواسي لغلبها، فقال حيي: ليس هذا ذاك، ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) من بني إسرائيل، وهذا من العرب من ولد إسماعيل، ولا يكونوا بنو إسرائيل أتباعا لولد إسماعيل (عليه السلام) أبدا لأن الله قد فضلهم على الناس جميعا وجعل فيهم النبوة والملك، وقد عهد إلينا موسى (عليه السلام) " أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار " وليس مع محمد آية وانما جمعهم جمعا وسحرهم ويريد أن يغلبهم بذلك، فلم يزل يقلبهم على رأيهم حتى أجابوه. فقال لهم: أخرجوا الكتاب الذي بينكم وبين محمد (صلى الله عليه وآله) فأخرجوه، فأخذ حيي بن أخطب ومزقه، وقال: قد وقع الأمر فتجهزوا وتهيؤوا للقتال. وبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك فغمه غما شديدا وفزع أصحابه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسعد بن معاذ، وأسيد بن حصين، وكانا من الأوس، وكانت بنو قريظة، حلفاء الأوس:
إئتيا بني قريظة فانظرا ما صنعوا فإن كانوا نقضوا العهد فلا تعلما أحدا إذا رجعتم إلي، وقولا:
عضل (1) والقارة (2)، فجاء سعد بن معاذ، وأسيد بن حصين إلى باب الحصن فأشرف عليهم كعب من الحصن، فشتم سعدا وشتم رسول لله (صلى الله عليه وآله)، فقال له سعد: إنما أنت ثعلب في جحر لتولين قريش وليحاصرنك رسول لله (صلى الله عليه وآله)، ثم لينزلنك على الصغر والقماع، وليضربن عنقك، ثم رجعا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالا له: عضل والقارة. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لعلنا نحن أمرناهم بذلك، وذلك أنه كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عيون لقريش يتجسسون أخباره، وكانت عضل والقارة قبيلتان من العرب دخلا في الإسلام ثم غدرا، فكان إذا غدر أحد ضرب بهما المثل، فيقال: عضل والقارة. ورجع حيي بن أخطب إلى أبي سفيان، وقريش فأخبرهم بنقض بني قريظة العهد بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ففرحت قريش بذلك. فلما كان في جوف الليل جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد كان أسلم قبل قدوم قريش بثلاثة أيام

١ - عضل - بالفتح -: ابن الهون بن خزيمة. القاموس المحيط: ج ٤، ص ١٧، مادة " عضل ". وفي لسان العرب:
ج ٩
، ص ٢٦١، عضل: حي من كنانة، وعضل والديش حيان من كنانة، يقال لهم: القارة، وهم من كنانة. وفي الصحاح: ج ٥، ص ١٧٦٦: وعضل: قبيلة وهو عضل بن الهون بن خزيمة أخو الديش وهما القارة.
٢ - القارة: قبيلة، وهم رماة، ومنه: أنصف القارة من راماها. القاموس المحيط: ج ٢، ص ١٢٣، مادة " قور ".
وقال الطريحي في مجمع البحرين: ج ٣، ص 464: القارة: قبيلة يوصفون بالرمي سموا قارة لاجتماعهم والتفافهم.
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»