(أبت لي عفتي وأبى بلائي * وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإقحامي على المكروه نفسه * وضربي هامة البطل المشيح وقوله كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريحي لأدفع عن مآثر صالحات * وأحمى بعد عن عرض صحيح) الأبيات لعمرو بن الإطنابة. في سورة آل عمران عند قوله تعالى (إذ همت طائفتان منكم).
وفى رواية: أقول لها إذا جشأت وجاشت * قوله وإقحامي: أي تكليفي. والهامة: وسط الرأس. والمشيح: المجد، من أشاح الرجل إذا جد في القتال.
وجشأت أي تحركت. وجاشت القدر: إذا غلت، وكل شئ يغلى فهو يجيش حتى الهموم، كأنه قال: أبت لي عفتي أن أتبع هوى النفس واللذات، وأبى بلائي: أي قتالي أن أنكسر وأصبر. وحكى عن معاوية أنه قال:
عليكم بحفظ الشعر فقد كدت أضع رجلي في الركاب يوم صفين: أي للهزيمة، فما ثبتني إلا قول عمرو بن الإطنابة وقد يكون للنفس عند الشدة بعض الهلع، ثم يردها صاحبها إلى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه.
والبيت المذكور ورد شاهدا في سورة الأنفال عند قوله تعالى (فاضربوا فوق الأعناق) أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح لأنها مفاصل، فكان إيقاع الضرب فيها حزا وتطييرا للرؤوس، وقيل أراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق يعنى ضرب الهام، قال * وأضرب هامة البطل المشيح * قوله وضربي معطوف على المرفوعات قبله فاعل:
أي في البيت السابق.
(وما الدهر إلا تارتان فمنهما * أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح) هو لتميم بن عقيل، وبعده:
وكلتاهما قد خط في صحيفة * فلا العيش أهوى لي ولا الموت أروح في سورة النساء عند قوله تعالى (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) على تقدير أن يكون كلام مبتدأ على أن يحرفون صفة مبتدأ محذوف تقديره من الذين هادوا قوم يحرفون: يقول: ليس الدهر إلا تارتان: فمنهما تارة أموت بها، وتارة أحيا وأعيش فيها. وخلاصة المعنى: ليس الدهر إلا حالتان: حالة يموت المرء فيها ويستريح من نصب الدنيا وأذاها إن كان من أهل الاستراحة، وحالة يعيش فيها ويكدح لمعاشه ومعاده ويتحمل نصب الدنيا وصروفها.
(سأترك منزلي لبنى تميم * وألحق بالحجاز فأستريحا) في سورة النساء عند قوله تعالى (ثم يدركه الموت) بالنصب، ونصب ألحق ضعيف لأنه لم يقع في جواب الأشياء الستة، والعذر أن الفعل المضارع كالتمني والترجي. وقد استشهد بالبيت في سورة الأنبياء عند قوله تعالى (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه) حيث قرئ بالنصب، ووجهه وما بعده الحمل على المعنى والعطف على ألحق فإن المستقبل في إشمام التمني. وقد استشهد به أيضا في سورة الشورى عند قوله تعالى (أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ويعلم الذين يجادلون) حيث كان نصب يعلم بالعطف على تعليل مقدر: أي يذقهم لينتقم منهم ويعلم. ونحوه في العطف على التعليل المحذوف كثير في القرآن، ومنه قوله تعالى، (ولنجعله آية للناس) وقوله