تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٥١٣
خالد قد قتل والطير قد قامت عليه تأكله، فاستعظم لحمه حيث نكره، والتفت إلى الخطاب، وبسبب تعظيم اللحم استعظم الطير الواقعة عليه، ثم ما اكتفى بل استعظم أبا الطير حيث أقسم بها كما في لا أقسم كما يكنى الرجل بأبي فلان تعظيما له كنى الطير بأبي الطير، وأبى: أي أبين جمع أب سقطت نونه بالإضافة. وأرب بالمكان: إذا قام ولزم، وبعد البيت:
فلا وأبى لا يأكل الطير مثله * عشية أمسى لا يبين من السلم (أما والذي لا يعلم الغيب غيره) * ويحيى العظام البيض وهى رميم لقد كنت أختار الجوى طاوى الحشا * محاذرة من أن يقال لئيم في سورة البقرة عند قوله تعالى (ألا إنهم هم المفسدون) فإن الاستفهام إذا دخل على حرف النفي أفاد تحقيقا كقوله (أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى) ونحوه قول الآخر:
أما والذي أبكى وأضحك والذي * أمات وأحيا والذي أمره الأمر لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى * أليفين منها لا يروعهما الذعر (فما أم الردين وإن أدلت * بعالمة بأخلاق الكرام إذا الشيطان قصع في قفاها * تنفقناه بالحبل التوأم) في سورة البقرة عند قوله تعالى (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم) أي إذا دخل الشيطان في قفا هذه المرأة وحردت وأساءت الخلق استخرجناه من نافقائه بالحبل المثنى المحكم واجتهدنا في إزالة غيظها وغضبها وإماطة ما يسوء من خلقها. استعار التقصيع أولا ثم ضم إليه التلفق ثم الحبل التؤام، فكذلك لما ذكر سبحانه الشراء أتبعه ما يشاكله ويواخيه وما يكمل ويتم بانضمامه إليه تمثيلا لخسارهم وتصويرا لحقيقته. وقصع من التقصيع، يقال قصع اليربوع: إذا اتخذ القاصعاء، وهو الطريق المستوى (1) أحد جحري اليربوع. والنافقاء:
موضع يرققه ولا يتعداه مخافة أن يقف الصائد عليه، فإذا طلب من القاصعاء خرج من النافقاء برأسه، وإنما فرض الاستعارة في التقصيع ليعلم أن الاستعارة فيه تبعية، ثم رشحها بأن ضم التنفق والحبل التؤام إليها، وأما ذكر القفا فهو أن سوء الخلق من الحمق وهو ينسب إلى القفا كما يقال عريض القفا.
(فتركته جزر السباع ينشنه) * يقضمن حسن بنانه والمعصم في سورة البقرة عند قوله تعالى (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) من جهة أن ترك يكون بمعنى طرح وخلى:
إذا علق بواحد كقولهم تركته ترك ظبى ظله، وهو مثل يضرب في هجر الرجل صاحبه، فإذا علق بشيئين كان بمعنى صير فيجرى مجرى أفعال القلوب كما في الآية، والبيت والشعر لعنترة، والضمائر الثلاثة في البيت ترجع إلى مدجج في البيت السابق: أي شاكي السلاح، والبيت من معلقة عنترة بن شداد العبسي التي أولها:
هل غادر الشعراء من متردم * أم هل عرفت الدار بعد توهم دار لآنسة غضيض طرفها * طوع العناق لذيذة المتبسم

(1) قوله (وهو الطريق المستوى) هكذا في الأصل، وليس في كتب اللغة التي بيدنا ما يشهد لذلك فحرره كتبه مصححه.
(٥١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 ... » »»
الفهرست