الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢١٤
فأراه الآية الكبرى. فكذب وعصى. ثم أدبر يسعى. فحشر فنادى. فقال أنا ربكم الاعلى. فأخذه الله نكال الآخرة والأولى. إن في ذلك لعبرة لمن يخشى. أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها. رفع سمكها فسواها. وأغطش ليلها وأخرج ضحاها.
____________________
العرض كما يقول الرجل لضيفه هل لك أن تنزل بنا، وأردفه الكلام الرفيق ليستدعيه بالتلطف في القول ويستنزله بالمداراة من عتوه كما أمر قوله - فقولا له قولا لينا - (الآية الكبرى) قلب العصا حية لأنها كانت المقدمة، والأصل والاخرى كالتبع لها لأنه كان يتقيها بيده، فقيل له أدخل يدك في جيبك، أو أرادهما جميعا إلا أنه جعلهما واحدة لان الثانية كأنها من جملة الأولى لكونها تابعة لها (فكذب) بموسى والآية الكبرى وسماهما ساحرا وسحرا (وعصى) الله تعالى بعد ما علم صحة الامر وأن الطاعة قد وجبت عليه (ثم أدبر يسعى) أي لما رأى الثعبان أدبر مرعوبا يسعى يسرع في مشيته. قال الحسن: كان رجلا طياشا خفيفا، أو تولى عن موسى يسعى ويجتهد في مكايدته، أو أريد ثم أقبل يسعى كما تقول أقبل فلان يفعل كذاب بمعنى أنشأ يفعل، فوضع أدبر موضع أقبل لئلا يوصف بالاقبال (فحشر) فجمع السحرة كقوله - فأرسل فرعون في المدائن حاشرين - (فنادى) في المقام الذي اجتمعوا فيه معه أو أمر مناديا فنادى في الناس بذلك. وقيل قام فيهم خطيبا فقال تلك العظيمة. وعن ابن عباس:
كلمته الأولى - ما علمت لكم من إله غيري - والآخرة - أنا ربكم الاعلى - (نكال) هو مصدر مؤكد كوعد الله وصبغة الله كأنه قيل نكل الله به - نكال الآخرة والأولى - والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم: يعنى الاغراق في الدنيا والاحراق في الآخرة. وعن ابن عباس: نكال كلمتيه الآخرة وهى قوله - أنا ربكم الاعلى - والأولى وهى قوله - ما علمت لكم من إله غيره - وقيل كان بين الكلمتين أربعون سنة، وقيل عشرون. الخطاب لمنكري البعث: يعين (أأنتم) أصعب (خلقا) وإنشاء (أم السماء) ثم بين كيف خلقها فقال (بناها) ثم بين البناء فقال (رفع سمكها) أي جعل مقدار ذهابها في سمت العلو مديدا رفيعا مسيرة خمسمائة عام (فسواها) فعدلها مستوية ملساء ليس فيها تفاوت ولا فطور، أو فتممها بما علم أنها تتم به وأصلحها من قولك سوى فلان أمر فلان. غطش الليل وأغطشه الله كقولك ظلم وأظلمه، ويقال أغطش الليل كما يقال أظلم (وأخرج ضحاها) وأبرز ضوء شمسها يدل عليه قوله تعالى - والشمس وضحاها - يريد وضوئها. وقولهم وقت الضحى للوقت الذي تشرق فيه الشمس ويقوم سلطانها، وأضيف الليل والشمس إلى السماء لان الليل ظلها والشمس هي السراج المثقب في جوها
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»