____________________
صفاته المعدودة (وما صاحبكم) يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم (بمجنون) كما تبهته الكفرة، وناهيك بهذا دليلا على جلالة مكان جبريل عليه السلام وفضله على الملائكة ومباينة منزلته لمنزلة أفضل الانس محمد صلى الله عليه وسلم إذا وازنت بين الذكرين حين قرن بينهما، وقايست بين قوله - إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين - وبين قوله - وما صاحبكم بمجنون - (ولقد رآه) ولقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل (بالأفق المبين) بمطلع الشمس الاعلى (وما هو) وما محمد على ما يخبر به من الغيب من رؤية جبريل والوحي إليه وغير ذلك (بظنين) بمتهم من الظنة وهى التهمة. وقرئ بضنين من الضن وهو البخل: أي لا يبخل بالوحي فيزوى بعضه غير مبلغه أو يسأل تعليمه فلا يعلمه، وهو في مصحف عبد الله بالظاء، وفى مصحف أبى بالضاد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما وإتقان الفصل بين الضاد والظاء واجب، ومعرفة مخرجيهما مما لابد منه للقارئ، فإن أكثر العجم لا يفرقون بين الحرفين، وإن فرقوا ففرقا غير صواب وبينهما بون بعيد، فإن مخرج الضاد من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره. وكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أضبط، يعمل بكلتا يديه، وكان يخرج الضاد من جانبي لسانه وهى أحد الأحرف الشجرية أخت الجيم والشين، وأما الظاء فمخرجها من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا، وهى أحد الأحرف الذولقية أخت الذال والثاء، ولو استوى الحرفان لما ثبتت في هذه الكلمة قراءتان اثنتان واختلاف بين جبلين من جبال العلم والقراءة، ولما اختلف المعنى والاشتقاق والتركيب. فإن قلت فإن وضع المصلى أحد الحرفين مكان