الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢١٩
قتل الانسان ما أكفره. من أي شئ خلقه. من نطفة خلقه فقدره. ثم السبيل يسره. ثم أماته فأقبره. ثم إذا شاء أنشره. كلا لما يقض ما أمره. فلينظر الانسان إلى طعامه. إنا صببنا الماء صبا. ثم شققنا الأرض شقا. فأنبتنا فيها حبا.
____________________
القراء، وقيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (قتل الانسان) دعاء عليه، وهى من أشنع دعواتهم لان القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها و (ما أكفره) تعجب من إفراطه في كفران نعمة الله، ولا ترى أسلوبها أغلظ منه ولا أخشن مسا ولا أدل على سخط ولا أبعد شوطا في المذمة مع تقارب طرفيه ولا أجمع للأئمة على قصر متنه.
ثم أخذ في وصف حاله من ابتداء حدوثه إلى أن انتهى، وما هو مغمور فيه من أصول النعم وفروعها، وما هو غارز فيه رأسه من الكفران والغمط وقلة الالتفات إلى ما يتقلب فيه، وإلى ما يجب عليه من القيام بالشكر (من أي شئ خلقه) من ألا شئ حقير مهين خلقه ثم بين ذلك الشئ بقوله (من نطفة خلقه فقدره) فهيأه لما يصلح له ويختص به، ونحوه - وخلق كل شئ فقدره تقديرا - نصب السبيل بإضمار يسر وفسره بيسر، والمعنى: ثم سهل سبيله وهو مخرجه من بطن أمه، أو السبيل الذي يختار سلوكه من طريق الخير والشر بإقداره وتمكينه كقوله - إنا هديناه السبيل - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: بين له سبيل الخير والشر (فأقبره) فجعله ذا قبر يوارى فيه تكرمة له ولم يجعله مطروحا على وجه الأرض جزرا للسباع والطير كسائر الحيوان، يقال قبر الميت إذا دفنه، وأقبره الميت إذا أمره أن يقبره ومكنه منه، ومنه قول من قال للحجاج، أقبرنا صالحا (أنشره) أنشأه النشأة الأخرى وقرئ نشره (كلا) ردع للانسان عما هو عليه (لما يقض) لم يقض بعد مع تطاول الزمان وامتداده من لدن آدم إلى هذه الغاية (ما أمره) الله حتى يخرج عن جميع أوامره، يعنى أن إنسانا لم يخل من تقصير قط. ولما عدد النعم في نفسه أتبعه ذكر النعم فيما يحتاج إليه فقال (فلينظر الانسان إلى طعامه) إلى مطعمه الذي يعيش به كيف دبرنا أمره (إنا صببنا الماء) يعنى الغيث، قرئ بالكسر على الاستئناف وبالفتح على البدل من الطعام. وقرأ الحسين بن علي رضي الله عنهما أنى صببنا بالإمالة على معنى: فلينظر الانسان كيف صببنا الماء. وشققنا من شق الأرض بالنبات، ويجوز أن يكون من شقها بالكراب على البقر، وأسند الشق إلى نفسه إسناد الفعل إلى السبب. والحب: كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما. والقضب: الرطبة، والمقضاب أرضه، سمى بمصدر قضبه إذا
(٢١٩)
مفاتيح البحث: القتل (1)، الطعام (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»