فالمدبرات أمرا. يوم ترجف الراجفة. تتبعها الرادفة. قلوب يومئذ واجفة.
أبصارها خاشعة. يقولون أإنا لمردودون في الحافرة. أإذا كنا عظاما نخرة.
____________________
أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد، وبالطوائف التي تنشطها أي تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها، وبالطوائف التي تسبح في مضيها: أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمرا من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم كما رسم لهم (غرقا) إغراقا في النزع: أي تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها وأظفارها، أو أقسم بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعا تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب والتي تخرج من دار الاسلام إلى دار الحرب من قولك ثور ناشط إذا خرج من بلد إلى بلد، والتي تسبح في جريها فتسبيق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر وإسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه، أو أقسم بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب، وإغراقها في النزع أن تقطع الفك كله حتى تنحط في أقصى الغرب، والتي تخرج من برج إلى برج، والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمرا من علم الحساب. وقيل النازعات: أيدي الغزاة أو أنفسهم تنزع القسي بإغراق السهام والتي تنشط الأوهاق، والمقسم عليه محذوف وهو لتبعثن لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة، و (يوم ترجف) منصوب بهذا المضمر، و (الراجفة) الواقعة التي ترجف عندها الأرض والجبال وهى النفخة الأولى وصفت بما يحدث بحدوثها (تتبعها الرادفة) أي الواقعة التي تردف الأولى وهى النفخة الثانية. ويجوز أن تكون الرادفة من قوله تعالى - قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون - أي القيامة التي يستعجلها الكفرة استبعادا لها وهى رادفة لهم لاقترابها. وقيل الراجفة الأرض والجبال من قوله يوم ترجف الأرض والجبال - والرادفة السماء والكواكب لأنها تنشق وتنتثر كواكبها على أثر ذلك. فإن قلت: ما محل تتبعها؟ قلت: الحال أي ترجف تابعتها الرادفة: فإن قلت: كيف جعلت يوم ترجف ظرفا للمضمر الذي هو لتبعثن ولا يبعثون عند النفخة الأولى؟ قلت: المعنى لتبعثن في الوقت الواسع الذي يقع فيه النفختان وهم يبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع وهو وقت النفخة الأخرى، ودل على ذلك أن قوله - تتبعها الرادفة - جعل حالا عن الراجفة. ويجوز أن ينتصب يوم ترجف بما دل عليه (قلوب يومئذ واجفة) أي يوم ترجف، وجفت القلوب واجفة شديدة الاضطراب، والوجيب والوجيف أخوان (خاشعة) ذليلة. فإن قلت: كيف جاز الابتداء بالنكرة؟؟ قلت: قلوب مرفوعة بالابتداء وواجفة صفتها وأبصارها خاشعة خبرها فهو كقوله - ولعبد مؤمن خير من مشرك -. فإن قلت: كيف صح إضافة الابصار إلى القلوب؟ قلت: معناه أبصار أصحابها بدليل قوله - يقولون - (في الحافرة) في الحالة الأولى: يعنون الحياة بعد الموت. فإن قلت: ما حقيقة هذه الكلمة؟ قلت: يقال رجع فلان في حافرته: أي في طريقه التي جاء فيها فحفرها: أي أثر فيها يمشيه فيها جعل أثر قدميه حفرا كما قيل حفرت أسنانه حفرا إذا أثر