الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢١٦
فإن الجحيم هي المأوى. وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. فإن الجنة هي المأوى. يسألونك عن الساعة أيان مرساها. فيم أنت من ذكراها. إلى ربك منتهاها. إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها.
____________________
لما علم أن الطاغي هو صاحب المأوى وأنه لا يغض الرجل طرف غيره تركت الإضافة، ودخول حرف التعريف في المأوى والطرف للتعريف لأنهما معروفان، و (هي) فصل أو مبتدأ (ونهى النفس) الامارة بالسوء (عن الهوى) المردي وهو اتباع الشهوات وزجرها عنه وضبطها بالصبر والتوطين على إيثار الخير. وقيل الآيتان نزلتا في أبى عزير بن عمير ومصعب بن عمير، وقد قتل مصعب أخاه أبا عزير يوم أحد، ووقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه حتى نفذت المشاقص في جوفه (أيان مرساها) متى إرساؤها: أي إقامتها أرادوا متى يقيمها الله ويثبتها ويكونها. وقيل أيان منتهاها ومستقرها كما أن مرسى السفينة مستقرها حيث تنتهي إليه (فيم أنت) في أي شئ أنت من أن تذكر وقتها لهم وتعلمهم به: يعنى ما أنت من ذكرها لهم وتبيين وقتها في شئ. وعن عائشة رضي الله عنها " لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت " فهو على هذا تعجب من كثرة ذكره لها كأنه قيل: في أي شغل واهتمام أنت من ذكرها والسؤال عنها، والمعنى: أنهم يسألونك عنها فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها. ثم قال (إلى ربك منتهاها) أي منتهى علمها لم يؤت علمها أحدا من خلقه. وقيل فيم إنكار لسؤالهم: أي فيم هذا السؤال ثم قيل أنت من ذكراها: أي إرسالك وأنت خاتم الأنبياء وآخر الرسل المبعوث في نسم الساعة ذكر من ذكرها وعلامة من علاماتها، فكفاهم بذلك دليلا على دنوها ومشارفتها ووجوب الاستعداد لها ولا معنى لسؤالهم عنها (إنما أنت منذر من يخشاها) أي لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة الذي لا فائدة لهم في علمه، وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يكون إنذارك لطفا له في الخشية منها. وقرئ منذر بالتنوين وهو الأصل والإضافة تخفيف وكلاهما يصلح للحال والاستقبال، فإذا أريد الماضي فليس إلا الإضافة كقولك هو منذر زيد أمس. أي كأنهم لم يلبسوا في الدنيا، وقيل في القبول (إلا عشية أو ضحاها).
(٢١٦)
مفاتيح البحث: الخوف (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»