الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢١٠
وكل شئ أحصيناه كتابا. فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذبا. إن للمتقين مفازا. حدائق وأعنابا. وكواعب أترابا. وكأسا دهاقا. لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا. جزاء من ربك عطاء حسابا. رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا. يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون.
____________________
حسان وبخال فيجعل صفة لمصدر كذبوا: أي تكذيبا كذابا مفرطا كذبه. وقرأ أبو السمال: وكل شئ أحصيناه بالرفع على الابتداء (كتابا) مصدر في موضع إحصاء، أو أحصينا في معنى كتبنا لانتفاء الاحصاء، والكتبة في معنى الضبط والتحصيل، أو يكون حالا في معنى مكتوبا في اللوح وفى صحف الحفظة، والمعنى إحصاء معاصيهم كقوله - أحصاه الله ونسوه - وهو اعتراض، وقوله (فذوقوا) مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات، وهى آية في غاية الشدة، وناهيك بلن نزيدكم وبدلالته على أن ترك الزيادة كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة وبمجيئها على طريقة الالتفات شاهدا على أن الغضب قد تبالغ. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار (مفازا) فوزا وظفرا بالبغية أو موضع فوز، وقيل نجاة مما فيه أولئك أو موضع نجاة، وفسر المفاز بما بعده. والحدائق: البساتين فيها أنواع الشجر المثمر. والأعناب: الكروم. والكواعب:
التي فلكت ثديهن وهن النواهد. والاتراب: اللدات. والدهان: المترعة، وأدهق الحوض: ملاه حتى قال قطني.
وقرئ ولا كذابا بالتشديد والتخفيف: أي لا يكذب بعضهم بعضا ولا يكذبه أو لا يكاذبه. وعن علي رضي الله عنه أنه قرأ بتخفيف الاثنين (جزاء) مصدر مؤكد منصوب بمعنى قوله - إن للمتقين مفازا - كأنه قال: جاز المتقين بمفاز، و (عطاء) نصب بجزاء نصب المفعول به أي جزاهم عطاء، و (حسابا) صفة بمعنى كافيا من أحسبه الشئ إذا كفاه حتى قال حسبي، وقيل على حسب أعمالهم. وقرأ ابن قطيب حسابا بالتشديد على أن الحساب بمعنى المحسب كالدراك بمعنى المدرك. قرئ رب السماوات والرحمن بالرفع على هو رب السماوات الرحمن، أو رب السماوات مبتدأ والرحمن صفة ولا يملكون خبر، أو هما خبران وبالجر على البدل من ربك، وبجر الأول ورفع الثاني على أنه مبتدأ خبره لا يملكون، أو هو الرحمن لا يملكون. والضمير في (لا يملكون) لأهل السماوات والأرض: أي ليس في أيديهم مما يخاطب به الله ويأمر؟ أمر الثواب والعقاب خطاب واحد يتصرفون فيه تصرف الملاك فيزيدون فيه أو ينقصون منه، أولا يملكون أن يخاطبوه بشئ من نقص في العذب أو زيادة في الثواب إلا أن يهب لهم ذلك ويأذن لهم فيه (و (يوم يقوم) متعلق بلا يملكون أو بلا يتكلمون، والمعنى: إن الذين هم أفضل الخلائق وأشرفهم وأكثرهم طاعة وأقربهم منه وهم الروح والملائكة لا يملكون التكلم بين يديه، فما ظنك بمن عداهم من أهل السماوات والأرض. والروح أعظم خلقا من الملائكة وأشرف منهم وأقرب من رب العالمين.
وقيل هو ملك عظيم ما خلق الله بعد العرش خلقا أعظم منه، وقيل ليسوا بالملائكة وهم يأكلون، وقيل جبريل.
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»