الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٦٧
فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا. يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا.
وإنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا. وإنه كان يقول سفيهنا على الله شططا. وإنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا. وإنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا. وإنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث
____________________
ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل كانوا من الشيصبان وهم أكثر الجن عددا وعامة جنود إبليس منهم (فقالوا إنا سمعنا) أي قالوا لقومهم حين رجعوا إليهم كقوله - فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا - (عجبا) بديعا مباينا لسائر الكتب في حسن نظمه وصحة معانيه قائمة فيه دلائل الاعجاز، وعجب مصدر يوضع موضع العجيب وفيه مبالغة وهو ما خرج عن حد إشكاله ونظائره (يهدى إلى الرشد) يدعو إلى الصواب، وقيل إلى التوحيد والايمان. الضمير في (به) للقرآن. ولما كان الايمان به إيمانا بالله وبوحدانيته وبراءة من الشرك قالوا (ولن نشرك بربنا أحدا) أي ولن نعود إلى ما كنا عليه من الاشراك به في طاعة الشيطان، ويجوز أن يكون الضمير لله عز وجل لان قوله بربنا يفسره (جد ربنا) عظمته من قولك جد فلان في عيني: أي عظم، وفى حديث عمر رضي الله عنه " كان الرجل منا إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا " وروى - في أعيننا - أو ملكه وسلطانه أو غناه استعارة من الجد الذي هو الدولة والبخث، لان الملوك والأغنياء هم المجدودون، والمعنى، وصفه بالتعالي عن الصاحبة والولد لعظمته أو لسلطانه وملكوته أو لغناه، وقوله (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) بيان لذلك. وقرئ جدا ربنا على التمييز، وجد ربنا بالكسر: أي صدق ربوبيته وحق إلهيته عن اتخاذ الصاحبة والولد، وذلك أنهم لما سمعوا القرآن ووفقوا للتوحيد والايمان تنبهوا على الخطأ فيما اعتقده كفرة الجن من تشبيه الله بخلقه واتخاذه صاحبة وولدا فاستعظموه ونزهوه عنه. سفيههم إبليس لعنه الله أو غيره من مردة الجن. والشطط: مجاوزة الحد في الظلم وغيره، ومنه أشط في السوم إذا أبعد فيه: أي يقول قولا هو في نفسه شطط لفرط ما أشط فيه وهو نسبة الصاحبة والولد إلى الله. وكان في ظننا أن أحدا من الثقلين لن يكذب على الله ولن يفترى عليه ما ليس بحق، فكنا نصدقهم فيما أضافوا إليه من ذلك حتى تبين لنا بالقرآن كذبهم وافتراؤهم (كذبا) قولا كذبا: أي مكذبوا فيه أو نصب نصب المصدر لان الكذب نوع من القول. ومن قرأ أن لن تقول وضع كذبا موضع تقولا ولم يجعله صفة لان التقول لا يكون إلا كذبا. الرهق: غشيان المحارم، والمعنى: أن الانس باستعاذتهم بهم زادوهم كبرا وكفرا وذلك أن الرجل من العرب كان إذا أمسى في واد قفر في بعض مسايره وخاف على نفسه قال أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، يريد الجن وكبيرهم، فإذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا سدنا الجن والإنس فذلك رهقهم، أو فزاد الجن الانس رهقا بإغوائهم وإضلالهم لاستعاذتهم بهم (وأنهم) وأن الانس (ظنوا كما ظننتم) وهو من كلام الجن يقوله بعضهم لبعض. وقيل الآيتان من جملة الوحي والضمير في وأنهم ظنوا للجن والخطاب في ظننتم لكفار قريش. اللمس: المس فاستعير للطلب لان الماس طالب متعرف، قال:
مسسنا من الاباء شيئا وكلنا * إلى نسب في قومه غير واضع
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»