الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٦٤
ومكروا مكرا كبارا. وقالوا لا تذرن آهلتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا. وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا. مما خطاياهم.
____________________
وقرئ وولده بضم الواو وكسرها (ومكروا) معطوف على لم يزده، وجمع الضمير وهو راجع إلى من لأنه في معنى الجمع. والماكرون هم الرؤساء، ومكرهم احتيالهم في الدين وكيدهم لنوح وتحريش الناس على أذاه وصدهم عن الميل إليه والاستماع منه، وقولهم لهم لا تذرن آلهتكم إلى عبادة رب نوح (مكرا كبارا) قرئ بالتخفيف والتثقيل والكبار أكبر من الكبير والكبار أكبر من الكبار ونحوه طوال وطوال (ولا تذرن ودا) كأن هذه المسميات كانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم فخصوها بعد قولهم لا تذرن آلهتكم، وقد انتقلت هذه الأصنام عن قوم نوح إلى العرب، فكان ود لكلب وسواع لهمدان ويغوث لمذحج ويعوق لمراد ونسر لحمير، ولذلك سمت العرب بعبدود وعبد يغوث. وقيل هي أسماء رجال صالحين. وقيل من أولاد آدم ماتوا، فقال إبليس لمن بعدهم: لو صورتم صورهم فكنتم تنظرون إليهم؟ ففعلوا، فلما مات أولئك قال لمن بعدهم: إنهم كانوا يعبدونهم فعبدوهم. وقيل كان ود على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث على صورة أسد ويعوق على صورة فرس ونسر على صورة نسر. وقرئ ودا بضم الواو، وقرأ الأعمش ولا يغوثا ويعوقا بالصرف، وهذه قراءة مشكلة لأنهما إن كان عربيين أو عجميين ففيهما سببا منع الصرف: إما التعريف ووزن الفعل، وإما التعريف والعجمة، ولعله قصد الازدواج فصرفهما لمصادفته أخواتهما منصرفات ودا وسواعا ونسرا، كما قرئ وضحاها بالامالة لوقوعه مع الممالات للازدواج (وقد أضلوا) الضمير للرؤساء ومعناه: وقد أضلوا (كثيرا) قبل هؤلاء الموصين بأن يتمسكوا بعبادة الأصنام ليسوا بأول من أضلوهم، أو وقد أضلوا بإضلالهم كثيرا: يعنى أن هؤلاء المضلين فيهم كثرة، ويجوز أن يكون للأصنام كقوله تعالى - إنهن أضللن كثيرا من الناس - فإن قلت: علام عطف قوله (ولا تزد الظالمين)؟ قلت: على قوله رب إنهم عصوني على حكاية كلام نوح عليه السلام بعد قال وبعد الواو النائبة عنه، ومعناه: قال رب إنهم عصوني، وقال: لا تزد الضالمين إلا ضلالا: أي قال هذين القولين وهما في محل النصب لأنهما مفعولا قال كقولك: قال زيد نودي للصلاة وصل في المسجد، تحكى قوليه معطوفا أحدهما على صاحبه. فإن قلت: كيف جاز أن يريد لهم الضلال ويدعوا الله بزيادته؟ قلت: المراد بالضلال أن يخذلوا ويمنعوا الألطاف لتصميمهم على الكفر ووقوع اليأس من إيمانهم وذلك حسن جميل يجوز الدعاء به، بل لا يحسن الدعاء بخلافه. ويجوز أن يريد بالضلال الضياع والهلاك لقوله تعالى - ولا تزد الظالمين إلا تبارا -. تقديم (مما خطاياهم) لبيان أن لم يكن إغراقهم بالطوفان فإدخالهم النار إلا من أجل خطيئاتهم، وأكد هذا المعنى بزيادة ما وفى قراءة ابن مسعود من خطيئاتهم ما أغرقوا بتأخير الصلة، وكفى بها مزجرة لمرتكب الخطايا، فإن كفر قوم نوح كان واحدة من خطيئاتهم وإن كانت كبراهن، وقد نعيت عليهم سائر خطيئاتهم كما نعى عليهم كفرهم ولم يفرق بينه وبينهن في استيجاب العذاب لئلا يتكل المسلم الخاطئ على إسلامه ويعلم أن معه ما يتسوجب به العذاب وإن
(١٦٤)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»