الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٧٢
ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا. حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا. قل إن أدرى أقريب ما توعدون أم يجعل له ربى أمدا. عالم الغيب فلا يظهر على غيبة أحدا. إلا من ارتضى من رسول
____________________
لقوله إليه وأن أبلغ رسالاته التي أرسلني بها من غير زيادة ولا نقصان. فإن قلت: ألا يقال بلغ عنه، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " بلغوا عنى بلغوا عنى "؟ قلت: من ليست بصلة للتبليغ إنما هي بمنزلة من في قوله - براءة من الله - بمعنى بلاغا كائنا من الله. وقرئ - فأن له نار جهنم - على فجزاؤه أن له نار جهنم كقوله - فأن لله خمسه - أي فحكمه أن لله خمسه، وقال (خالدين) حملا على معنى الجمع في من. فإن قلت: بم تعلق حتى وجعل ما بعده غاية له؟ قلت: بقوله - يكونون عليه بلدا - على أنهم يتظاهرون عليه بالعداوة ويستضعفون أنصاره ويستقلون عددهم (حتى إذا رأوا ما يو عدون) من يوم بدر وإظهار الله له عليهم أو من يوم القيامة (فسيعلمون) حينئذ أنهم (أضعف ناصرا وأقل عددا) ويجوز أن يتعلق بمحذوف دلت عليه الحال من استضعاف الكفار له واستقلالهم لعدده، كأنه قال: لا يزالون على ما هم عليه حتى إذا رأوا ما يوعدون، قال المشركون: متى يكون هذا الموعود؟
إنكارا له، فقيل (قل) إنه كائن لا ريب فيه فلا تنكروه، فإن الله قد وعد ذلك وهو لا يخلف الميعاد. وأما وقته فما أدرى متى يكون لان الله لم يبينه لما رأى في إخفاء وقته من المصلحة. فإن قلت: ما معنى قوله (أم يجعل له ربى أمدا) والامد يكون قريبا وبعيدا، ألا ترى إلى قوله - تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا - قلت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقرب الموعد فكأنه قال: ما أدرى أهو حال متوقع في كل ساعة أم مؤجل ضربت له غاية؟ أي هو (عالم الغيب فلا يظهر) فلا يطلع و (من رسول) تبيين لمن ارتضى يعنى أنه لا يطلع على الغيب إلا المرتضى الذي هو مصطفى للنبوة خاصة لاكل مرتضى، وفي هذا إبطال للكرامات لان الذين تضاف إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين فليسوا برسل، وقد خص الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب وإبطال الكهانة
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 175 176 177 178 ... » »»