الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٧٠
وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا. لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه نسلكه عذابا صعدا. وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا. وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا.
____________________
(وأن لو استقاموا) أن مخففة من الثقيلة وهو من جملة الموحى، والمعنى: وأوحى إلى أن الشأن والحديث:
لو استقام الجن على الطريقة المثلى أي لو ثبت أبوهم الجان على ما كان عليه من عبادة الله والطاعة، ولم يستكبر عن السجود لآدم ولم يكفر، وتبعه ولده على الاسلام لأنعمنا عليهم ولوسعنا رزقهم. وذكر الماء الغدق وهو الكثير بفتح الدال وكسرها، وقرئ بهما لأنه أصل المعاش وسعة الرزق (لنفتنهم فيه) فنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خولوا منه. ويجوز أن يكون معناه: وأن لو استقام الجن الذين استمعوا على طريقتهم التي كانوا عليها قبل الاستماع ولم ينتقلوا عنها إلى الاسلام لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم لنفتنهم فيه لتكون النعمة سببا لاتباعهم شهواتهم ووقوعهم في الفتنة وازديادهم إثما أو لنعذبهم في كفران النعمة (عن ذكر ربه) عن عبادته أو عن موعظته أو عن وحيه (يسلكه) وقرئ بالنون مضمومة ومفتوحة: أي ندخله (عذابا) والأصل نسلكه في عذاب كقوله - ما سلككم في سقر - فعدى إلى مفعولين: إما بحذف الجار وإيصال الفعل كقوله - واختار موسى قومه -، وإما بتضمينه معنى ندخله يقال سلكه وأسلكه، قال * حتى إذا أسلكوهم في قتائده * والصعد مصدر صعد يقال صعد صعدا وصعودا فوصف به العذاب لأنه يتصعد المعذب: أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه، ومنه قول عمر رضي الله عنه " ما تصعدني شئ ما تصعدتني خطبة النكاح " يريد ما شق على ولا غلبني (وأن المساجد) من جملة الموحى، وقيل معناه: ولان (المساجد لله فلا تدعوا) على أن اللام متعلقة بلا تدعوا: أي فلا تدعوا (مع الله أحدا) في المساجد لأنها لله خاصة ولعبادته. وعن الحسن: يعنى الأرض كلها لأنها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم مسجدا. وقيل المراد بها المسجد الحرام لأنه قبلة المساجد، ومنه قوله تعالى - ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه - وعن قتادة: كان اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعهم وكنائسهم أشركوا بالله، فأمرنا أن نخلص لله الدعوة إذا دخلنا المساجد. وقيل المساجد أعضاء السجود السبعة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أسجد على سبعة آراب، وهى الجبهة والأنف واليدان والركبتان والقدمان " وقيل هي جمع مسجد وهو السجود (عبد الله) النبي صلى الله صلى عليه وسلم. فإن قلت: هلا قيل رسول الله أو النبي؟ قلت: لان تقديره وأوحى إلى أنه لما قام عبد الله فلما كان واقعا في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه جئ به على ما يقتضيه التواضع والتذلل، أو لان المعنى أن عبادة عبد الله لله ليست بأمر مستبعد عن العقل ولا مستنكر حتى يكونوا عليه لبدا.
ومعنى قام يدعوه: قام يعبده، يريد قيام لصلاة الفجر بنخلة حين أتاه الجن فاستمعوا لقراءته صلى الله عليه وسلم (كادوا يكونون عليه لبدا) أي يزدحمون عليه متراكمين تعجبا مما رأوا من عبادته واقتداء أصحابه به قائما وراكعا وساجدا وإعجابا بما تلا من القرآن لانهم رأوا مالم يروا مثله وسمعوا بما لم يسمعوا بنظيره، وقيل معناه: لما قام رسولا يعبد الله وحده مخالفا للمشركين في عبادتهم الألهة من دونه كاد المشركون لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته يزدحمون عليه متراكمين. لبدا جمع لبدة وهو ما تلبد بعضه على بعض ومنها لبدة الأسد. وقرئ لبدا واللبدة
(١٧٠)
مفاتيح البحث: السجود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 175 176 ... » »»