الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٦٨
الله أحدا. وإنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا. وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الان يجد له شهابا رصدا. وإنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا.
____________________
يقال لمسه والتمسه وتلمسه كطلبه وأطلبه وتطلبه ونحوه الجس، وقولهم جسوه بأعينهم وتجسسوه، والمعنى:
طلبنا بلوغ السماء استماع كلام أهلها. والحرس اسم مفرد في معنى الحراس كالخدم في معنى الخدام ولذلك وصف بشديد، ولو ذهب إلى معناه لقيل شدادا، ونحوه: * أخشى رجلا أو ركيبا غاديا * لان الرجل والركب مفردان في معنى الرجال والركاب. والرصد مثل الحرس اسم جمع للراصد على معنى ذوي شهاب راصدين بالرجم وهم الملائكة الذين يرجمونهم بالشهب ويمنعونهم من الاستماع، ويجوز أن يكون صفة للشهاب بمعنى الراصد، أو كقوله: ومعي جياعا: يعنى يجد شهابا راصدا له ولاجله فإن قلت: كأن الرجم لم يكن في الجاهلية وقد قال الله تعالى - ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين - فذكر فائدتين في خلق الكواكب التزيين ورجم الشياطين. قلت: قال بعضهم: حدث بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إحدى آياته، والصحيح أنه كان قبل المبعث، وقد جاء ذكره في شعر أهل الجاهلية، قال بشر بن أبي حازم:
والعير يرهقها الخبار وجحشها * ينقض خلفهما انقضاض الكوكب وقال أوس بن حجر:
وانقض كالذي يتبعه * نقع يثور تخاله طنبا وقال عوف بن الخرع:
يرد علينا العير من دون إلفه * أو الثور كالدرى يتبعه الدم ولكن الشياطين كانت تسترق في بعض الأحوال، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر الرجم وزاد زيادة ظاهرة حتى تنبه لها الإنس والجن ومنع الاستراق أصلا. وعن معمر: قلت للزهري: أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية؟ قال نعم، قلت: أرأيت قوله تعالى - وأنا كنا نقعد - فقال: غلظت وشدد أمرها حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس رضي الله عنهما " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من الأنصار إذ رمى بنجم فاستنار فقال: ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية؟ فقالوا: كنا نقول: يموت عظيم أو يولد عظيم " وفي قوله ملئت دليل على أن الحادث هو المل ء والكثرة
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»