الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٦٢
دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا. ثم إني دعوتهم جهارا. ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا.
فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرارا. ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا.
____________________
فرارا لأنه سبب الزيادة، ونحوه - فزادتهم رجسا إلى رجسهم - فزادتهم إيمانا - (لتغفر لهم) ليتوبوا عن كفرهم فتغفر لهم فذكر المسبب الذي هو حظهم خالصا ليكون أقبح لاعراضهم عنه. سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة (واستغشوا ثيابهم) وتغطوا بها كأنهم طلبوا أن تغشاهم ثيابهم أو تغشيهم لئلا يبصروه كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في دين الله، وقيل لئلا يعرفهم ويعضده قوله تعالى - ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم - الاصرار من أصر الحمار على العانة إذا صر أذنيه وأقبل عليها يكدمها ويطردها، أستعير للاقبال على المعاصي والإكباب عليها (واستكبروا) وأخذتهم العزة من اتباع نوح وطاعته. وذكر المصدر تأكيد ودلالة على فرط استقبالهم وعتوهم. فإن قلت: ذكر أنه دعاهم جهارا ثم دعاهم في السر والعلن فيجب أن تكون ثلاث دعوات مختلفات حتى يصح العطف. قلت: قد فعل عليه الصلاة والسلام كما يفعل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في الابتداء بالاهون والترقي في الأشد فالأشد، فافتتح بالمناصحة في السر، فلما لم يقبلوا ثنى بالمجاهرة، فلما لم تؤثر ثلث بالجمع بين الاسرار والاعلان. ومعنى ثم الدلالة على تباعد الأحوال، لان الجهار أغلظ من الاسرار، والجمع بين الامرين أغلظ من إفراط أحدهما. و (جهارا) منصوب بدعوتهم نصب المصدر لان الدعاء أحد نوعيه الجهار، فنصب به نصب القرفصاء بقعد لكونها أحد أنواع القعود، أو لأنه أراد بدعوتهم جاهرتهم. ويجوز أن يكون صفة لمصدر دعا بمعنى دعاء جهارا: أي مجاهرا به أو مصدرا في موضع الحال: أي مجاهرا. أمرهم بالاستغفار الذي هو التوبة عن الكفر والمعاصي وقدم إليهم الموعد بما هو أوقع في نفوسهم وأحب إليهم من المنافع الحاضرة والفوائد العاجلة ترغيبا في الايمان وبركاته والطاعة ونتائجها من خير الدارين كما قال - وأخرى تحبونها نصر من الله - ولو كان أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات - ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم - وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم - وقيل لما كذبوه بعد طول تكرير الدعوة حبس الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، وروى سبعين، فوعدهم أنهم إن آمنوا رزقهم الله تعالى الخصب ودفع عنهم ما كانوا فيه. وعن عمر رضي الله عنه أنه خرج يستسقى فما زاد على الاستغفار، فقيل له: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء السماء التي يستنزل بها القطر، شبه الاستغفار بالأنواء الصادقة التي لا تخطئ. وعن الحسن أن رجلا شكا إليه الجدب فقال: استغفر الله، وشكا إليه آخر الفقر، وآخر قلة النسل، وآخر قلة ريع أرضه فأمرهم كلهم بالاستغفار، فقال له الربيع ابن صبيح: أتاك رجال يشكون أبوابا ويسألون أنواعا فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فتلا له هذه الآية. والسماء:
المظلة لان المطر منها ينزل إلى السحاب. ويجوز أن يراد السحاب أو المطر من قوله * إذا نزل السماء بأرض قوم * والمدرار: الكثير الدرور، ومفعال مما يستوى فيه المذكور والمؤنث كقولهم رجل أو امرأة معطار ومتفال (جنات)
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»