الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٦٠
مهطعين. عن اليمين وعن الشمال عزين. أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم. كلا إنا خلقناهم مما يعلمون. فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا قادرون. على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون. يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون. خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون.
____________________
قبلهم فنزلت (مهطعين) مسرعين نحوك مادي أعناقهم إليك مقبلين بأبصارهم عليك (عزين) فرقا شتى جمع عزة وأصلها عزوة كأن كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزى إليه الأخرى فهم مفترقون، قال الكميت:
ونحن وجندل باغ تركنا * كتائب جندل شتى عزينا وقيل كان المستهزئون خمسة أرهط (كلا) ردع لهم عن طمعهم في دخول الجنة ثم علل ذلك بقوله (إنا خلقناهم مما يعلمون) إلى آخر السورة، وهو كلام دال على إنكارهم البعث فكأنه قال: كلا إنهم منكرون للبعث والجزاء فمن أين يطمعون في دخول الجنة؟ فإن قلت: من أي وجه دل هذا الكلام على إنكار البعث؟ قلت: من حيث إنه احتجاج عليهم بالنشأة الأولى كالاحتجاج بها عليهم في مواضع من التنزيل وذلك قوله - خلقناهم مما يعلمون - أي من النطف وبالقدرة على أن يهلكهم ويبدل ناسا خيرا منهم، وأنه ليس بمسبوق على ما يريد تكوينه لا يعجزه شئ، والغرض أن من قدر على ذلك لم تعجزه الإعادة. ويجوز أن يراد إنا خلقناهم مما يعلمون: أي من النطفة المذرة وهى منصبهم الذي لا منصب أوضع منه، ولذلك أبهم وأخفى إشعارا بأنه منصب يستحيا من ذكره، فمن أين يتشرفون ويدعون التقدم ويقولون لندخلن الجنة قبلهم؟ وقيل معناه: إنا خلقناهم من نطفة كما خلقنا بني آدم كلهم ومن حكمنا أن لا يدخل أحد منهم الجنة إلا بالايمان والعمل الصالح فلم يطمع أن يدخلها من ليس له إيمان وعمل؟ وقرئ برب المشرق والمغرب ويخرجون ومن الأجداث سراعا بالاظهار والادغام ونصب ونصب، وهو كل ما نصب فعبد من دون الله (يوفضون) يسرعون إلى الداعي مستبقين كما كانوا يستبقون إلى أنصابهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة سأل سائل أعطاه الله ثواب الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون "
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»