الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٥١
لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية. فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة. وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. فيومئذ وقعت الواقعة. وانشقت السماء فهي يومئذ واهية.
____________________
(لنجعلها) الضمير للفعلة وهى نجاة المؤمنين وإغراق الكفرة (تذكرة) عظة وعبرة (أذن واعية) من شأتها أن تعي وتحفظ ما سمعت به ولا تضيعه بترك العمل، وكل ما حفظته في نفسك فقد وعيته، وما حفظته في غير نفسك فقد أوعيته كقولك أوعيت الشئ في الظرف. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه عند نزول هذه الآية " سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، قال علي رضي الله عنه: فما نسيت شيئا بعد وما كان لي أن أنسى ".
فإن قلت: لم قيل أذن واعية على التوحيد والتنكير؟ قلت: للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة ولتوبيخ الناس بقلة من يعى منهم، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت وعقلت عن الله فهي السواد الأعظم عند الله وأن ما سواها لا يبالي بهم بالة وإن ملئوا ما بين الخافقين. وقرئ وتعيها بسكون العين للتخفيف شبه تعي بكبد. أسند الفعل إلى المصدر وحسن تذكيره للفصل. وقرأ أبو السمال نفخة واحدة بالنصب مسندا للفعل إلى الجار والمجرور. فإن قلت:
هما نفختان فلم قيل واحدة؟ قلت: معناه أنها لا تثنى في وقتها. فإن قلت: فأي النفختين هي؟ قلت: الأولى لأن عندها فساد العالم، وهكذا الرواية عن ابن عباس وقد روى أنها الثانية. فإن قلت: أما قال بعد يومئذ تعرضون والعرض إنما هو عند النفخة الثانية؟ قلت: جعل اليوم اسما للحين الواسع الذي تقع فيه النفختان والصعقة والنشور والوقوف والحساب فلذلك قبل يومئذ تعرضون كما تقول جئته عام كذا، وإنما كان مجيئك في وقت واحد من أوقاته (وحملت) ورفعت من جهاتها بريح بلغت من قوة عصفها أنها تحمل الأرض والجبال، أو بخلق من الملائكة، أو بقدرة الله من غير سبب. وقرئ وحملت بحذف المحمل وهو أحد الثلاثة (فدكتا) فدكت الجملتان جملة الأرضين وجملة الجبال فضرب بعضها ببعض حتى تندق وترجع كثيبا مهيلا وهباء منبثا، والدك أبلغ من الدق. وقيل فبسطتا بسطة واحدة فصارتا أرضا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، من قولك اندك السنام إذا انفرش، وبعير أدك وناقة دكاء ومنه الدكان (فيومئذ وقعت الواقعة) فحينئذ نزلت النازلة وهى القيامة (واهية) مسترخية ساقطة القوة جدا بعد ما كانت محكمة مستمسكة. يريد والخلق الذي يقال له الملك، ورد إليه الضمير مجموعا في قوله فوقهم على المعنى. فإن قلت: ما الفرق بين قوله والملك وبين أن يقال والملائكة؟ قلت: الملك أعم من
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»