الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٥٨
عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي تؤويه. ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه. كلا إنها لظى. نزاعة للشوى. تدعوا من أدبر وتولى. وجمع فأوعى إن الانسان خلق هلوعا. إذا مسه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعا. إلا
____________________
معرفين إياهم. قرئ يومئذ بالجر والفتح على البناء للإضافة إلى غير متمكن، ومن عذاب يومئذ بتنوين عذاب ونصب يومئذ وانتصابه بعذاب لأنه في معنى تعذيب (وفصيلته) عشيرته الأدنون الذين فصل عنهم (تؤويه) تضمنه انتماء إليها أو لياذا بها في النوائب (ينجيه) عطف على يفتدى: أي يود لو يفتدى ثم لو ينجيه الافتداء أو من في الأرض وثم لاستبعاد الانجاء: يعنى تمنى لو كان هؤلاء جميعا تحت يده وبذلهم في فدا نفسه ثم ينجيه ذلك وهيهات أن ينجيه (كلا) ردع للمجرم عن الودادة وتنبيه على أنه لا ينفعه الافتداء ولا ينجيه من العذاب، ثم قال (إنها) والضمير للنار ولم يجر لها ذكر لان ذكر العذاب دل عليها، ويجوز أن يكون ضميرا مبهما ترجم عنه الخبر أو ضمير القصة، و (لظى) علم للنار منقول من اللظى بمعنى اللهب، ويجوز أن يراد اللهب، و (نزاعة) خبر بعد خبر لان أو خبر للظى إن كانت الهاء ضمير القصة أو صفة له إن أردت اللهب والتأنيث لأنه في معنى النار أو رفع على التهويل أي هي نزاعة. وقرئ نزاعة بالنصب على الحال المؤكدة، أو على أنه متلظية نزاعة، أو على الاختصاص للتعويل. والشوى: الأطراف أو جمع شواة وهى جلدة الرأس تنزعها نزعا فتبتكها ثم تعاد (تدعو) مجاز عن إحضارهم كأنها تدعوهم فتحضرهم ونحوه قول ذي الرمة * تدعو أنفه الريب * وقوله:
* ليالي اللهو يطبينى فأتبعه * وقول أبى النجم، تقول للرائد أعشبت انزل، وقيل تقول لهم إلى إلى يا كافر يا منافق، وقيل تدعو المنافقين والكافرين بلسان فصيح ثم تلتقطهم التقاط الحب فيجوز أن يخلق الله فيها كلاما كما يخلقه في جلودهم وأيديهم وأرجلهم وكما خلقه في الشجرة، ويجوز أن يكون دعاء الزبانية. وقيل تدعو تهلك، من قول العرب دعاك الله: أي أهلكك قال * دعاك الله من رجل بأفعى * (من أدبر) عن الحق (وتولى) عنه (وجمع) المال فجعله في وعاء وكنزه، ولم يؤد الزكاة والحقوق الواجبة فيه وتشاغل به عن الدين وزهى باقتنائه وتكبر أريد بالانسان فلذلك استثنى منه إلا المصلين. والهلع: سرعة الجزع عند مس المكروه وسرعة المنع عند مس الخير من قولهم ناقة هلواع سريعة السير. وعن أحمد بن يحيى: قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر: ما الهلع؟ فقلت: قد فسره الله، ولا يكون تفسير أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع، وإذا ناله خير يخل به ومنعه الناس. والخير: المال والغنى، والشر: الفقر أو الصحة والمرض، إذا صح الغنى منع المعروف وشح بماله، وإذا مرض جزع وأخذ يوصى، والمعنى: أن الانسان لايثاره الجزء والمنع وتمكنهما منه ورسوخهما فيه كأنه محبول عليهما مطبوع وكأنه أمر خلقي وضروري
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»