ومجازاتهم بأن أمره ان ينظر إلى طعامه الذي يأكله ويتقوته، ويفكر كيف يخلقه الله ويوصله إليه ويمكنه من الانتفاع به. وبين كيفية ذلك فقال (إنا صببنا الماء صبا) أي أنزلنا الغيث إنزالا (ثم شققنا الأرض شقا) فالشق قطع الشئ طولا ومثله الصدع والفرج والفطر، ومن ذلك شق الأرض وشق الخشبة وشق الشعرة فأما قطع الليطة، وقطع الشجر، فعلى خلاف ذلك، فبين تعالى أنه يشق الأرض ويخرج منها ما أنبته من أنواع النبات. ومن فتح (أنا) على البدل، فعلى انه بدل اشتمال، ويكون موضعه جرا فتقديره فلينظر إلى أنا صببنا. وقال آخرون: موضعه نصب، لان الأصل ب (أنا) و (لأنا) فلما أسقط الخافض نصب على المعنى، فتقديره فلينظر الانسان إلى حدوث طعامه أو نبات طعامه، لأنه موضع الاعتبار.
وقال المبرد: تقديره فلينظر الانسان إلى طعامه، لأنا صببنا فأخرجنا أي لهذه العلة كان طعامه، لان قوله (إنا صببنا) ليس من الطعام في شئ، وقال أبو علي:
وهو بدل الاشتمال، لان ما ذكره يشتمل على الطعام فهو بمنزلة قوله (قتل أصحاب الأخدود النار) (1).
وقوله (فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا...) فالانبات إخراج النامي حالا بعد حال، يقال أنبته الله إنباتا فنبت نباتا، ففاعل النبات والانبات واحد إلا أن الانبات يؤخذ منه صفة المنبت، والنبات يؤخذ منه النابت. وليس النبات فاعلا لكنه الصائر على تلك الصفة بتصيير غيره، غير أنه لما أسند الفعل إليه اشتق له منه اسم الفاعل. والحب جمع الحبة مثل الشعير والحنطة والسمسم والدخن والأرز وغير ذلك، وكذلك يسمى حب اللؤلؤ تشبيها بذلك في تدويره. والقضب الرطبة - في قول الضحاك، والفراء - وأهل مكة يسمون القث قضبا. وأصله فيما يقطع رطبا من