لما ذكر الله تعالى حال الكفار وما أعده لهم من أنواع العقاب ذكر ما للمؤمنين المتقين لمعاصي الله تعالى، فقال (إن للمتقين) الذين يتقون عقاب الله باجتناب معاصيه وفعل طاعته (مفازا) وهو موضع الفوز بخلوص الملاذ. وأصل الفوز النجاة إلى حال السلامة والسرور، ومنه قيل للمهلكة مفازة على وجه التفاؤل، لأنه قيل منجاة وقيل مفازا منجى إلى مبرة. ثم بين ذلك فقال (حدائق وأعنابا) فالحدائق جمع حديقة، وهي البستان المحوط، ومنه أحدق به حائطه. والحديقة الجنة المحوطة، ومنه أحدق القوم بفلان إذا أطافوا به، وسميت الحدقة حدقة لما يحيط بها من جفنها والأعناب جمع عنب، وهو ثمر الكرم قبل أن يجف فإذا جف فهو الزبيب، ونظيره الرطب ثمر النخل قبل أن يصير تمرا فإذا صار تمرا زال عنه اسم الرطب.
وقوله (وكواعب أترابا) قال ابن عباس: الكواعب النواهد، والكاعب الجارية قد نهد ثدياها، يقال: كعب ثدي الجارية ونهد إذا ابتدأ بخروج حسن.
والأتراب جمع ترب، وهي التي تنشأ مع لدتها على سن الصبي الذي يلعب بالتراب فكأنه قيل هم على سن واحدة قال قتادة: أترابا يعني في سن واحدة.
وقوله (وكأسا دهاقا) فالكأس الاناء إذا كان فيه شراب. وقيل الكاس إناء الخمر الذي يشرب منه، قال الشاعر:
يلذه بكأسه الدهاق (1) فإن لم يكن فيه الخمر لم يسم كأسا، والدهاق ملاى بشدة الضغط، والدهق شدة الضغط في الكأس ملاى مترعة ليس فيها فرجة ليستوفي حال اللذة. وقال قتادة:
دهاقا مترعة. وقال مجاهد: معناه متتابعة على شاربها مأخوذ من متابعة الشد في الدهن.