ويوهيه، معتدل الامر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة، كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، لا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو أقامه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطة وخلقة فصار لهم أبا وصاروا له أبناء عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات ولا توبن فيه الحرم ولا تنثى فلتأته متعادلين متواصين فيه بالتقوى متواضعين، يوقرون الكبير ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذوي الحاجة ويحفظون الغريب، كان دائم البشر سهل الخلق، لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهى ولا يوئس منه راجيه ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، أو الاكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث، كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم
(١٦٦)