إلى البراز مرارا، فلم يقم إليه أحد، فلما أكثر، قام علي عليه السلام فقال: أنا أبارزه يا رسول الله، فأمره بالجلوس، وأعاد عمرو النداء و الناس سكوت كان على رؤوسهم الطير، فقال عمرو: أيها الناس، إنكم تزعمون أن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار، أفما يحب أحدكم أن يقدم على الجنة أو يقدم عدوا له إلى النار!
فلم يقم إليه أحد، فقام علي عليه السلام دفعة ثانية وقال أنا له يا رسول الله، فأمره بالجلوس، فجال عمرو بفرسه مقبلا ومدبرا، وجاءت عظماء الأحزاب فوقفت من وراء الخندق ومدت أعناقها تنظر، فلما رأى عمرو أن أحدا لا يجيبه، قال:
ولقد بححت من النداء * بجمعهم: هل من مبارز!
ووقفت مذ جبن المشيع * موقف القرن المناجز إني كذلك لم أزل * متسرعا قبل الهزاهز إن الشجاعة في الفتى * والجود من خير الغرائز فقام علي عليه السلام فقال: يا رسول الله، إئذن لي في مبارزته، فقال: ادن، فدنا فقلده سيفه، و عممه بعمامته، وقال: امض لشأنك، فلما انصرف قال: (اللهم أعنه عليه)، فلما قرب منه قال له مجيبا إياه عن شعره:
لا تعجلن فقد أتاك * مجيب صوتك غير عاجز ذو نية وبصيرة * يرجو بذاك نجاة فائز إني لآمل أن أقيم * عليك نائحة الجنائز من ضربة فوهاء يبقى * ذكرها عند الهزاهز فقال عمرو: من أنت! وكان عمرو شيخا كبيرا قد جاوز الثمانين، وكان نديم أبى طالب بن عبد المطلب في الجاهلية، فانتسب علي عليه السلام له وقال: أنا علي بن أبي طالب، فقال: أجل، لقد كان أبوك نديما لي وصديقا، فارجع فإني لا أحب أن