شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٩ - الصفحة ٦٤
أقتلك - كان شيخنا أبو الخير مصدق بن شبيب النحوي يقول إذا مررنا في القراءة عليه بهذا الموضع والله ما أمره بالرجوع إبقاء عليه، بل خوفا منه، فقد عرف قتلاه ببدر وأحد، وعلم أنه إن ناهضه قتله، فاستحيا أن يظهر الفشل، فأظهر الابقاء والإرعاء، وإنه لكاذب فيهما - قالوا فقال له علي عليه السلام: لكني أحب أن أقتلك، فقال: يا بن أخي، إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، فارجع وراءك خير لك، فقال على: إن قريشا تتحدث عنك إنك قلت: لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا أجبت ولو إلى واحدة منها، قال: اجل، فقال علي عليه السلام:
فإني أدعوك إلى الاسلام، قال: دع عنك هذه، قال: فإني أدعوك إلى أن ترجع بمن تبعك من قريش إلى مكة، قال: إذن تتحدث نساء قريش عنى أن غلاما خدعني، قال: فإني أدعوك إلى البراز، فحمى عمرو وقال: ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرومها منى، ثم نزل فعقر فرسه - وقيل ضرب وجهه ففر - وتجاولا، فثارت لهما غبرة وارتهما عن العيون، إلى أن سمع الناس التكبير عاليا من تحت الغبرة، فعلموا أن عليا قتله، وانجلت الغبرة عنهما، وعلى راكب صدره يحز رأسه، وفر أصحابه ليعبروا الخندق، فظفرت بهم خيلهم إلا نوفل بن عبد الله، فإنه قصر فرسه، فوقع في الخندق، فرماه المسلمون بالحجارة، فقال: يا معاشر الناس، قتله أكرم من هذه، فنزل إليه علي عليه السلام فقتله، وأدرك الزبير هبيرة بن أبي وهب فضربه فقطع ثفر (1) فرسه وسقطت درع كان حملها من ورائه، فأخذها الزبير، وألقى عكرمة رمحه، وناوش عمر بن الخطاب ضرار بن عمرو، فحمل عليه ضرار حتى إذا وجد عمر مس الرمح رفعه عنه، وقال: إنها لنعمة مشكورة، فاحفظها يا بن الخطاب، إني كنت آليت ألا تمكنني يداي من قتل قرشي فاقتله. وانصرف ضرار راجعا إلى أصحابه، وقد كان جرى له معه مثل هذه في يوم أحد. وقد ذكر هاتين القصتين معا محمد بن عمر الواقدي في كتاب المغازي (2)

(1) الثفر: السير في مؤخر السرج.
(2) وانظر سيرة ابن هشام 3: 241.
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تابع ما ورد من حكمه عليه السلام ومختار أجوبة مسائله، وكلامه 7
2 فصل في الحياء وما قيل فيه 45
3 مثل من شجاعة علي عليه السلام 60
4 قصة غزوة الخندق 62
5 ما جرى بين يحيى بن عبد الله وعبد الله بن مصعب عند الرشيد 91
6 من كلامه عليه السلام لكميل بن زياد النخعي وشرح ذلك 99
7 نبذ من غريب كلام الإمام علي وشرحه لابن عبيد 116
8 نبذ من غريب كلام الإمام علي وشرحه لابن قتيبة 124
9 خطبة منسوبة للإمام علي خالية من حرف الألف 140
10 من كلامه عليه السلام في وصف صديق وشرح ذلك 183
11 نبذ من الأقوال الحكيمة في حمد القناعة وقلة الأكل 184
12 نبذ من الأقوال الحكيمة في الفقر والغنى 227
13 نبذ من الأقوال الحكيمة في الوعد والمطل 248
14 نبذ من الأقوال الحكيمة في وصف حال الدنيا وصروفها 287
15 أقوال مأثورة في الجود والبخل 316
16 نبذ مما قيل في حال الدنيا وهوانها واغترار الناس بها 326
17 مما ورد في الطيب من الآثار 341
18 نبذ مما قيل في التيه والفخر 352
19 طرائف حول الأسماء والكنى 365
20 أقوال في العين والسحر والعدوي والطيرة والفأل 372
21 نكت في مذاهب العرب وتخيلاتها 383