وإنك للجنان في الأرض سيد * ومثلك آوى في الظلام الصعالكا.
ومن مذاهبهم أن المسافر إذا خرج من بلده إلى آخر فلا ينبغي له أن يلتفت، فإنه إذا التفت عاد، فلذلك لا يلتفت إلا العاشق الذي يريد العود، قال بعضهم:
دع التلفت يا مسعود وارم بها * وجه الهواجر تأمن رجعة البلد.
وقال آخر، أنشده الخالع:
عيل صيري بالثعلبية لما * طال ليلي وملني قرنائي كلما سارت المطايا بنا * ميلا تنفست والتفت ورائي هذان البيتان ذكرهما الخالع في هذا الباب، وعندي إنه لا دلالة فيهما على ما أراد، لان التلفت في أشعارهم كثير، ومرادهم به الإبانة والاعراب عن كثرة الشوق، والتأسف على المفارقة، وكون الراحل عن المنزل حيث لم يمكنه المقام فيه بجثمانه يتبعه بصره، ويتزود من رؤيته، كقول الرضى رحمه الله:
ولقد مررت على طلولهم * ورسومهم بيد البلى نهب (1) فوقفت حتى ضج من لغب * نضوي ولج بعذلي الركب وتلفتت عيني فمذ خفيت * عنى الطلول تلفت القلب.
وليس يقصد بالتلفت هاهنا التفاؤل بالرجوع إليها، لان رسومها قد صارت نهبا ليد البلى، فأي فائدة في الرجوع إليها! وإنما يريد ما قدمنا ذكره من الحنين والتذكر لما مضى من أيامه فيها، وكذلك قول الأول: