قرب فبعد، وبعد فقرب، يجيب دعوة من يدعوه، ويرزقه ويحبوه، ذو لطف خفى، وبطش قوى، ورحمة موسعة، وعقوبة موجعة، رحمته جنة عريضة مونقة، وعقوبته جحيم ممدودة موبقة.
وشهدت ببعث محمد رسوله، وعبده وصفيه، ونبيه ونجيه، وحبيبه وخليله، بعثه في خير عصر، وحين فترة وكفر، رحمة لعبيده، ومنة لمزيده، ختم به نبوته، وشيد به حجته، فوعظ ونصح، وبلغ وكدح، رؤوف بكل مؤمن، رحيم سخي، رضى ولى زكى، عليه رحمة وتسليم، وبركة وتكريم، من رب غفور رحيم، قريب مجيب.
وصيتكم معشر من حضرني بوصية ربكم، وذكرتكم بسنة نبيكم، فعليكم برهبة تسكن قلوبكم، وخشية تذري دموعكم، وتقية تنجيكم قبل يوم تبليكم وتذهلكم، يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته، وخف وزن سيئته، ولتكن مسألتكم وتملقكم مسألة ذل وخضوع، وشكر وخشوع، بتوبة وتورع، وندم ورجوع، وليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه، وشبيبته قبل هرمه، وسعته قبل فقره، وفرغته قبل شغله، وحضره قبل سفره، قبل تكبر وتهرم وتسقم، يمله طبيبه، ويعرض عنه حبيبه، وينقطع غمده، ويتغير عقله، ثم قيل: هو موعوك، وجسمه منهوك، ثم جد في نزع شديد، وحضره كل قريب وبعيد، فشخص بصره، وطمح نظره، ورشح جبينه، وعطف عرينه، وسكن حنينه، وحزنته نفسه، وبكته عرسه، وحفر رمسه، ويتم منه ولده، وتفرق منه عدده، وقسم جمعه، وذهب بصره وسمعه، ومدد وجرد، وعري وغسل، ونشف وسجي، وبسط له وهئ، ونشر عليه كفنه، وشد منه ذقنه، وقمص وعمم، وودع وسلم، وحمل فوق سرير، وصلى عليه بتكبير، ونقل من دور مزخرفة، وقصور مشيدة، وحجر منجدة، وجعل في ضريح ملحود