الإمامة هي نبوة مختصرة، وإن الطليق المعدود من المؤلفة قلوبهم المكذب بقلبه وإن أقر بلسانه، الناقص المنزلة عند المسلمين، القاعد في أخريات الصف، إذا دخل إلى مجلس فيه أهل السوابق من المهاجرين، كيف يخطر ببال أحد أنها تصير فيه ويملكها ويسمه الناس وسمها، ويكون للمؤمنين أميرا، ويصير هو الحاكم في رقاب أولئك العظماء من أهل الدين والفضل! وهذا أعجب من العجب، أن يجاهد النبي (صلى الله عليه وآله) قوما بسيفه ولسانه ثلاثا وعشرين سنة، ويلعنهم ويبعدهم عنه، وينزل القرآن بذمهم ولعنهم، والبراءة منهم، فلما تمهدت له الدولة، وغلب الدين على الدنيا، وصارت شريعة دينية محكمة، مات فشيد دينه الصالحون من أصحابه، وأوسعوا رقعة ملته، وعظم قدرها في النفوس، فتسلمها منهم أولئك الأعداء الذين جاهدهم النبي (صلى الله عليه وآله) فملكوها وحكموا فيها، وقتلوا الصلحاء والأبرار وأقارب نبيهم الذين يظهرون طاعته، وآلت تلك الحركة الأولى وذلك الاجتهاد السابق إلى أن كان ثمرته لهم، فليته كان يبعث فيرى معاوية الطليق وابنه، ومروان وابنه خلفاء في مقامه، يحكمون على المسلمين، فوضح أن معاوية فيما يراجعه ويكاتبه به، كصاحب الأحلام.
وأما تشبيهه إياه بالقائم مقاما قد بهظه، فلان الحجج والشبه والمعاذير التي يذكرها معاوية في كتبه أوهن من نسج العنكبوت، فهو حال ما يكتب كالقائم ذلك المقام يخبط خبط العشواء، ويكتب ما يعلم هو والعقلاء من الناس أنه سفه وباطل.
فإن قلت: فما معنى قوله (عليه السلام): " لولا بعض الاستبقاء وهل كانت الحال تقتضي أن يستبقى! وما تلك القوارع التي أشار إليها.