شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٣ - الصفحة ٥٩
رأيناها راجعة الا رأينا معها مثل ذلك، وان كنا لا نفصل في مرأى العين بينها وبين أخواتها، فإنه ليس يقع في القلب غير الذي، قلنا فدلنا ذلك على أنها في رجوعها عن الجرادة انها إنما كانت لأشباهها كالرائد الذي لا يكذب أهله.
قال أبو عثمان ولا ينكر قولنا إن الذرة توحي إلى أخواتها بما أشرنا إليه الا من يكذب القرآن، فإنه تعالى قال في قصة سليمان ﴿قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها﴾ (1) فهل بعد هذا ريب أو شك في إن لها قولا وبيانا وتمييزا.
فان قلت فلعلها مكلفة، ومأمورة ومنهية، ومطيعة وعاصية قيل هذا سؤال جاهل، وذلك أنه لا يلزم أن يكون كل ذي حس، وتمييز مكلفا مأمورا منهيا، مطيعا عاصيا، لان الانسان غير البالغ الحلم قد يحفظ القرآن وكثيرا من الآثار، وضروبا من الاخبار، ويشترى ويبيع، ويخدع الرجال ويسخر بالمعلمين، وهو غير مكلف ولا مأمور، ولا منهي ولا عاص ولا مطيع، فلا يلزم مما قلناه في الذرة أن تكون مكلفة (2).
قال أبو عثمان ومن عجيب ما سمعته من أمر النملة، ما حدثني به بعض المهندسين عن رجل معروف بصنعة الأسطرلابات (3)، انه أخرج طوقا من صفر - أو قال من حديد - من الكير، وقد أحماه، فرمى به على الأرض ليبرد، فاشتمل الطوق على نملة، فأرادت أن تنفر يمنة فلقيها وهج النار، فأخذت يسر فلقيها وهج النار، فمضت قدما فكذاك، فرجعت إلى خلفها فكذلك، فرجعت إلى وسط الدائرة، فوجدها قد ماتت في موضع رجل البركار (4) من الدائرة، وهذا من العجائب.
قال أبو عثمان وحدثني أبو عبيد الله الأفوه، وما كنت أقدم عليه في زمانه من مشايخ

(١) سورة النمل ١٨، 19.
(2) الحيوان 4: 5 وما بعدها.
(3) الأسطرلابات: جمع أسطرلاب، وهي آلة يعرف بها الوقت، انظر شفاء الغليل للخفاجي: 51.
(4) البركار: اسم لالة معروفة. قال صاحب شفاء الغليل: هو معرب (فرجار). وقال: إنه لم يرد في شعر قديم.
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 224 - من كلام له عليه السلام في وصف بيعته بالخلافة 3
2 225 - من خطبة له عليه السلام يحث فيها على التقوى ويستطرد إلى وصف الزهاد 5
3 226 - من خطبة له عليه السلام كلم به عبد الله بن زمعة على إثر خلافته 9
4 227 - من كلام له عليه السلام كلم به عبد الله بن زمعة على إثر خلافته 10
5 228 - من كلام له عليه السلام في وصف اللسان، واستطرد إلى وصف زمانه 12
6 ذكر من أرتج عليهم أو حصروا عند الكلام 13
7 229 - من كلام له عليه السلام، وقد ذكر عنده اختلاف الناس 18
8 230 - من كلام له عليه السلام قاله وهو يلي غسل رسول الله وتجهيزه 27
9 ذكر طرف من سيرة النبي عليه السلام عند موته 27
10 231 - من خطبة له عليه السلام في تمجيد الله وتوحيده، وذكر رسالة محمد عليه السلام، ثم استطرد إلى عجيب خلق الله لأصناف الحيوان 44
11 من أشعار الشارح في المناجاة 50
12 فصل في ذكر أحوال الذرة وعجائب النملة 57
13 ذكر غرائب أحوال الجرادة وما احتوت عليه من صنوف الصنعة 67
14 232 - من خطبة له عليه السلام في التوحيد 69
15 233 - من خطبة له عليه السلام تختص بالملاحم 95
16 234 - من خطبة له عليه السلام يوصى الناس فيها بالتقوى ويذكرهم الموت ويحذرهم الغفلة 99
17 235 - من كلام له عليه السلام في الإيمان 101
18 قصة وقعت لأحد الوعاظ ببغداد 107
19 236 - من خطبة له عليه السلام في الحث على التقوى ويذكر الناس بأمر الآخرة 110
20 237 - من خطبة له عليه السلام في حمد الله وتمجيده والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة 115
21 238 - من خطبة له عليه السلام، وهي التي تسمى الخطبة القاصعة، وتتضمن ذم إبليس، ويحذر الناس من سلوك طريقته 127
22 فصل في ذكر الأسباب التي دعت العرب إلى وأد البنات 174
23 ذكر ما كان من صلة علي برسول الله في صغره 198
24 ذكر حال رسول الله في نشوئه 201
25 القول في إسلام أبي بكر وعلي وخصائص كل منه 215
26 239 - من كلام له عليه السلام قاله لعبد الله بن، وقد جاء برسالة من عثمان وهو محصور 296
27 وصية العباس قبل موته لعلي 297
28 240 - من كلام له عليه السلام اقتص فيه ما كان منه بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ثم لحاقه به 303
29 241 - من خطبة له عليه السلام في الزهد 307
30 242 - من خطبة له عليه السلام في شأن الحكمين وذم أهل الشام 309
31 فصل في نسب أبي موسى والرأي فيه عند المعتزلة 313
32 243 - من خطبة له عليه السلام يذكر فيها آل محمد عليه السلام 317