فان قلت فهل يمكن أن يفرق بينهما، ليكون الكلام أكثر فائدة قلت نعم بان يريد بالأول من رأى رأيا وكشفه لغيره، وجامعه عليه ثم بدا له وعابه، ويريد بالثاني من عزم نفسه عزما ولم يظهر لغيره ثم رجع عنه، ويمكن أيضا بان يفرق بينهما بان يعنى بالرأي الاعتقاد، كما يقال هذا رأي أبي حنيفة، والعزم أمر مفرد خارج عن ذلك، وهو ما يعزم عليه الانسان من أمور نفسه، ولا يقال عزم في الاعتقادات.
ثم قال عليه السلام (وقد أدبرت الحيلة) أي ولت، وأقبلت الغيلة، أي الشر، ومنه قولهم فلان قليل الغائلة أو يكون بمعنى الاغتيال، يقال قتله غيلة، أي خديعة يذهب به إلى مكان يوهمه انه لحاجة ثم يقتله.
قال عليه السلام (ولات حين مناص)، هذه من ألفاظ الكتاب العزيز (1)، قال الأخفش شبهوا (لات) بليس، وأضمروا فيها اسم الفاعل; قال ولا تكون (لات) الا مع (حين)، وقد جاء حذف (حين) في الشعر، ومنه المثل (حنت ولات هنت)، أي ولات حين حنت، والهاء بدل من الحاء، فحذف الحين وهو يريده. قال وقرا بعضهم (ولات حين مناص) بالرفع، وأضمر الخبر. وقال أبو عبيد هي لا; والتاء إنما زيدت في (حين)، لا في (لا)، وان كتبت مفردة، والأصل (تحين) كما قال في (الان) (تلان) فزادوا التاء، وأنشد لأبي وجزة:
العاطفون تحين ما من عاطف والمطعمون زمان أين المطعم (2).
وقال المؤرج زيدت التاء في (لات) كما زيدت في (ربت) و (ثمت).
والمناص المهرب، ناص عن قرنه ينوص نوصا ومناصا، أي ليس هذا وقت الهرب والفرار.