واعلم بأن من السكوت إبانة ومن التكلف ما يكون خبالا (1) وكان يقال: لسان العاقل من وراء قلبه، فإذا أراد الكلام تفكر، فإن كان له قال، وإن كان عليه سكت، وقلب الجاهل من وراء لسانه، فإن هم بالكلام تكلم به.
وقال سعد بن أبي وقاص لعمرو ابنه حين نطق مع القوم فبذهم، وقد كان غضب عليه، فكلموه في الرضا عنه: هذا الذي أغضبني عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " يكون قوم يأكلون الدنيا بألسنتهم كما تلحس الأرض البقر بألسنتها ".
وقال معاوية لعمرو بن العاص في أبى موسى: قد ضم إليك رجل طويل اللسان قصير الرأي فأجد الحز، وطبق المفصل، ولا تلقه برأيك كله.
وكان يقال: لو كان الكلام من فضة لكان السكوت من ذهب.
وكان يقال: مقتل الرجل بين فكيه، وقيل: بين لحييه.
وكان يقال: ما شئ بأحق بسجن من لسان.
وقالوا: اللسان سبع عقور.
وأخذ أبو بكر بطرف لسانه، وقال: هذا الذي أوردني الموارد.
لما أنكح ضرار بن عمرو ابنته من معبد بن زرارة، أوصاها حين أخرجها إليه فقال:
أمسكي عليك الفضلين، قالت: وما هما؟ قال: فضل الغلمة، وفضل الكلام.
وسئل أعرابي كان يجالس الشعبي عن طول صمته، فقال: أسمع فأعلم، وأسكت فأسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: " وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم " (2)!