نهج السعادة - الشيخ المحمودي - ج ١ - الصفحة ٢٠٤
أثرة، قد فرغ الله عز وجل من قسمه (7) فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله، به أقررنا وعليه شهدنا وله أسلمنا، وعهد نبينا بين أظهرنا، فسلموا - رحمكم الله - فمن لم يرض بهذا فليتول كيف شاء، فإن العامل بطاعة الله، والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه، أولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (8) [و]

(٧) قال الطبرسي (ره): الفئ: ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بغير قتال، والغنيمة:
ما أخذ منهم بقتال. وهو قول عطاء، ومذهب الشافعي وسفيان، وهو المروي عن أئمتنا عليهم السلام، وقال قوم: الغنيمة والفئ واحد. و " الأثرة " كشجرة -: الاختصاص بالشئ دون غيره. وقيل: هو اختصاص المرء نفسه بأحسن الشئ دون غيره. و " القسم ": التجزأة والتفريق، يقال: " قسم الشئ - من باب ضرب - قسما ": فرقه وجزأه.
(٨) وهذا الحكم مدلول كثير من الآيات المحكمات، والعقل أيضا حاكم به بعد حكمه بعدل الباري تعالى وغنائه وحكمته، قال الله تعالى في الآية: (٣٨) من سورة البقرة: " فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ". وفي الآية: (٦٣) من السورة:
" من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".
وفي الآية: " ١١٢ " منها: بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ". وفي الآية: (٢٦٢) منها: " الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا لا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ". وفي الآية: (٢٧٤) منها: " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".
وقال جل شأنه - في الآية: (١٧٠) من سورة آل عمران في حق الشهداء: " فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ".
وقال تعالى - في الآية: (٦٩) من سورة المائدة -: " من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".
وقال عز شأنه - في الآية: (٤٨) من سورة الأنعام -: " وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين، فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".
وقال جلت عظمته - في الآية: (٣٥) من سورة الأعراف -: " يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".
وقال تعالى عم نواله - في الآية: (٦٢) من سورة يونس -: " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ".
وقال جل جلاله - في الآية: (٦٨) من سورة الزخرف -: " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو، إلا المتقين، يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون، الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين، ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون، يطاف عليهم بصحاف من مذهب وأكواب، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وأنتم فيها خالدون، وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون، لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون ".
وقال عظم برهانه - في الآية: (١٣) من سورة الأحقاف -: " إن الذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ".
ولا شك أن أمير المؤمنين من أكمل مصاديق الآيات المتقدمة - إن لم نقل باختصاص بعض الآيات المتقدمة به - نظير قول ابن عباس: " ما نزل " يا أيها الذين آمنوا " إلا وعلي أميرها وشريفها.
وهكذا الكلام بالنسبة إلى ما ورد في الحكم بالفوز والفلاح فإنه عليه السلام من أفضل أفراد من أتى بوسائل الفوز والفلاح، وكيف يمكن أن يقال إنه عليه السلام كان خائفا - بمعنى احتماله وتجويزه لحلول العذاب عليه وعدم علمه بما يؤول إليه أمره - والخوف بذلك المعنى من لوازم الجهل بمقام الربوبية والتفريط في العمل بوظائف العبودية، وهو عليه السلام كان متفردا ببلوغ النهاية في العمل والعلم، وكيف يمكن أن يقال إنه عليه السلام كان خائفا بذلك المعنى وقد أعده الله لشفاعة المذنبين، وكيف يشفع لغيره من لا يعلم عاقبة أمره ويحتاج إلى شفاعة غيره؟!. هذا كله بالنسبة إلى الخوف الأخروي، وأما الدنيوي فإنه لم ير الدهر أربط جاشا منه ولذا كان عليه السلام في ساعات الروع واختلاس نفوس الابطال يغفي ويضع رأسه على القربوس في ساحة الحرب وينام، وإذا يخوفوه كان يقول:
ما أبالي سقط علي الموت أو سقطت عليه. وسياق الكلام - هنا - يفيد المعنى الثاني، وإنما أتى به عليه السلام إظهارا للتجلد، ومحدثا بنعمة ربه بأنه عامل بطاعته، وحاكم بكتابه.
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»
الفهرست