بدونها، فقال لهم في الحال هذه الخطبة من غير سابق فكرة ولا تقدم روية وسردها وليس فيها ألف:
حمدت من عظمت منته وسبغت نعمته وتمت كلمته ونفذت مشيته وبلغت حجته وعدلت قضيته وسبقت غضبه رحمته، حمدته حمد مقر بربوبيته ومتخضع لعبوديته، متنصل من خطيئته، معترف بتوحيده، مستعيذ من وعيده، مؤمل من ربه مغفرة تنجيه، يوم يشغل كل عن فصيلته وبنيه، ونستعينه ونسترشده ونؤمن به ونتوكل عليه وشهدت له شهود عبد مخلص موقن، وفردته تفريد مؤمن متيقن، ووحدته توحيد عبد مذعن، ليس له شريك في ملكه، ولم يكن له ولي في صنعه، جل عن مشير ووزير وعون ومعين ونظير، علم فستر، وبطن فخبر، وملك فقهر، وعصي فغفر، وعبد فشكر، وحكم فعدل، وتكرم وتفضل، لن يزول ولم يزل، ليس كمثله شيء وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء، رب متفرد بعزته، متمكن بقوته، متقدس بعلوه، متكبر بسموه، ليس يدركه بصر ولم يحط به نظر، قوي منيع بصير سميع رؤوف رحيم، عجز عن وصفه من وصفه، وضل عن نعته من عرفه، قرب فبعد، وبعد فقرب، يجيب دعوة من يدعوه ويرزقه ويحبوه، ذو لطف خفي وبطش قوي ورحمة موسعة وعقوبة موجعة، رحمته جنة عريضة مونقة، وعقوبته جحيم ممدودة موبقة، وشهدت ببعث محمد عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه وخليله، بعثه في خير عصر وحين فترة وكفر، رحمة لعبيده ومنة لمزيده، ختم به نبوته، ووضحت به حجته، فوعظ ونصح وبلغ وكدح، رؤوف بكل مؤمن، رحيم سخي رضي ولي زكي، عليه رحمة وتسليم، وبركة وتعظيم وتكريم، من رب غفور رحيم، قريب مجيب حليم.
وصيتكم معشر من حضر بوصية ربكم وذكرتكم سنة نبيكم، فعليكم برهبة تسكن قلوبكم، وخشية تدري دموعكم، وتقية تنجيكم قبل يوم يذهلكم