السقيفة أم الفتن - الدكتور الخليلي - الصفحة ٨٩
عمل الخير والمعروف فقال تعالى ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾ (١).
وانتقلت المقاييس من الصفات المادية إلى المعنويات، فلا ترى قيمة للغني على الفقير أمام القضاء، ولا تجد قيمة لزعماء الجاهلية على المستضعفين، ولا تجد فضلا لأبيض على أسود ولا لعربي على عجمي ولا لقريب على بعيد ولا لرجل على امرأة، فالجميع متساوون أمام العدالة، ولهم حق الدفاع عن أنفسهم وأموالهم، ومتى قالوا كلمتي الشهادة بالوحدانية والنبوة فهم في أمان الله.
نعم قضى الإسلام على جميع العادات والأخلاق البذيئة والمنازعات والتعصبات والفروق الجاهلية، كما قضى على جميع الأنظمة والقواعد البالية، ومحا الأحقاد والمشاحنات والمطالبات المالية والدموية والعرضية وكل ما كان من أعراف ونواميس الجاهلية، وأقام مقاييس إنسانية معنوية منطقية فطرية وحدود إلهية جاء بها القرآن الكريم وسنها النبي العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) تقوم جميعها على الدليل والبرهان، فلا ظلم ولا اعتداء ولا هتك ولا تجاوز لمقاصد شخصية وفوارق وفواصل ذاتية وأنانية، فلا حد إلا بنص ولا تعزير إلا بجرم خالف فيه الفرد شرع الله وشرع رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا اجتهاد أمام النص، ولا اجتهاد في حكم إلا من بالغ عاقل عالم عادل مؤمن ذكر طاهر المولد كرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو من نص عليه الله ورسوله.
فيه رفع الله قيمة النفس الإنسانية فقال ﴿من قتل نفسا بغير أو فساد في الألف فكأنما قتل الناس جميعا﴾ (2)، ذلك العهد الذي جعل فيه لمكارم الأخلاق والبر والإحسان المقام الجليل في كل شئ فقال: (فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا

(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»
الفهرست