وبهذا يظهر أن الذين ذهبوا إلى تضعيف الأخبار اعتمادا على الظنون تركوا عمل الطائفة وخرجوا عن الاعتدال، لذلك نرى أن أغلب الذين ذهبوا إلى هذه النظريات خالفوا عمل أجلاء الطائفة، فكثير ممن ورد تضعيفهم في كتب الرجال - والذي تلقاه الكثير بمعنى عدم حجية أخبارهم - رويت أخبارهم من قبل أجلاء الطائفة، وهو أكبر دليل على تخطئة هذه الفكرة؛ فبعض هذه التضعيفات كانت أخبار آحاد ولم تصدر من أفراد أذكياء ومعتدلين، وعلى فرض صحتها فهي لا تعني عدم حجية جميع ما يروونه. على أنه توجد في أغلب الأعصار خطوط فكرية واجتماعية تثير نيران العصبية بين الضعفاء، مما تسبب تضعيف كل من يخالف رأيهم، وإن كان الحق - في الغالب - هو الذي يذهب الجمهور إليه، ولكن وجود بعض المعايب في الأشخاص لا يقتضي سلب الإيمان والعدالة عنهم فورا؛ لذا يجب العمل في مثل هذه المسائل بما بينه الإمام (عليه السلام) - لما سألوه عن كتب بني فضال ورواياتهم - بقوله: " خذوا ما رووا، وذروا ما رأوا " (1). وتخطئة بعض هذه الأفكار في الرجال لا تعني حجية جميع الأخبار - ولم يقل بذلك أحد من أجلاء المتقدمين، وإن سرت هذه الشبهة إلى أذهان بعض المتأخرين؛ وذلك لقلة اطلاعهم - بل تعني أنه عند مواجهة الأخبار يجب السير على أصول ثابتة ومسلمة، وهي التي وردت في أحاديث العترة (عليهم السلام)، وهذه الأصول تجري في حق رواية جميع الرواة حتى الذين لم يغمز فيهم، ولا تنحصر في حق جماعة خاصة؛ فليس كل ما ورد عن أبي بصير أو محمد بن مسلم أو زرارة (رحمهم الله) حجة مطلقا في مقام العمل.
فتبين أنه لا يمكن الاعتماد على بعض هذه التضعيفات والأقوال الشاذة في الرجال بوجه، خصوصا إذا كانت معارضة بعمل الأصحاب. وكم أحدثت مثل هذه النظريات الشاذة من المشاكل في المجامع العلمية! وكم شوهت صورة بعض المسائل