الثانية: ضياعه من بعد عصر الإمام الصادق وزمن قوة شوكة العباسيين إلى زمن الشيخ الكليني - أي ابتداء القرن الرابع وضعف الدولة العباسية وتقهقرها واستيلاء البويهيين على الخلافة - ففي هذا العصر نشطت حركة علم الحديث؛ لأن بعض الضغوط على أنصار أهل البيت قد خفت، ولمسوا في هذا العصر نوعا من الحرية.
الثالثة: من زمن الشيخ الطوسي - وتحديدا من بعد استيلاء السلاجقة على الحكم العباسي وزوال البويهيين - وعودة اضطهاد الشيعة في هذا العصر، وإحراق مكتبة شابور في بغداد التي كانت تحتوي على نفائس التراث الإسلامي، والهجوم على الأماكن المقدسة للشيعة وعلى منزل الشيخ الطوسي (رحمه الله) - الذي كان يمثل الزعامة الشيعية في العالم الإسلامي آنذاك - وعلى الشيعة وممتلكاتهم في ذلك العصر.
إن ضياع ذلك الكم الهائل من كتب الأصحاب في بغداد عاصمة الخلافة العباسية - والتي استطاع الشيخ والنجاشي رؤيتها وإدراج أسمائها في فهرسيهما بالرغم من إفناء قسم كبير منها أيضا قبل ذلك العصر، والتي لم يبق منها اليوم إلا أقل القليل - يحكي عن وقوع كارثة عظمى في كتب الطائفة التي كان لها قصب السبق في العلوم الإسلامية، ولها التقدم الملحوظ في تدوين الحديث وحفظ الشريعة والآثار النبوية... كارثة خلفت وراءها انطماس القسم الأكبر منها خلال قرن واحد فقط.
ولذا نرى أن ابن إدريس؛ كان يستطرف من بعض الكتب التي وصلت إليه شذرات عامة ويلحقها بكتابه؛ ولعل من أسباب ذلك أنه لم يكن يطمئن ببقائها على حالها، فعمد إلى ذلك لتصل كما هي إلى الأجيال القادمة. وما كان هذا إلا لعدم الرغبة فيها والاعتناء بها، وعدم تعاهدها ودراستها واستنساخها؛ لذلك بقيت متروكة على حالها، وبتعاقب الأزمنة اندرست وذهب أثرها من الوجود، ولم يبق منها اليوم سوى أسمائها.
ومن جملة أسبابها أيضا أن فقهاءنا في العصور الأولى كانوا محدثين؛ يراجعون كتب الأخبار لاستخراج الأحكام، وكان هذا عاملا مؤثرا في بقائها. ومن بعد تبويب الأحاديث الفقهية وتجميعها في الجوامع الحديثية سهل الأمر عليهم واستغنوا عن