زيد بن أسلم، عن أبيه: ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر بن الخطاب عن شئ، فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه.
فقال عمر بن الخطاب: ثكلت أم عمر، نزرت رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك.
قال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في القرآن، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل في القرآن، فجئت رسول الله صلى الله عليه وآله فسلمت عليه فقال: " لقد أنزلت علي الليلة سورة، هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ: * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * (1). انتهى.
أقول: هذه الواقعة، والقول من عمر، مع ما قدمناه من شكه وتردده، ما أشد انطباقها على قوله عز اسمه يحذر المنافقين أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم: * (قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون) * (2)، * (بل الانسان على نفسه بصيرة) * (3).
ولولا نفاقه واقدامه على ما يوجب نزول القرآن - وما ينزل إلا لأمر عظيم وخطب جسيم غير حقيق بالصفح عنه، والاعراض موجب لتفضيح مرتكبه إلى يوم القيامة وانقراض الدنيا، في كل ناد ومسجد ومنبر ومحل - لما خشي نزول القرآن فيه، وإلا فعمر سئ الظن بربه وبرسوله صلى الله عليه وآله، بحيث يجوز عليهما الافتراء والتفضيح وإشاعة الفاحشة من غير موجب لا محيص عنه ولا محيد، وهو صلى الله عليه وآله على خلق عظيم، والمأمور بالعفو والاعراض، وذلك ظاهر لمن تأمله.