وأما وجه التجارة فقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل " (1) إلى آخر الآية فعرفهم سبحانه كيف يشترون المتاع في السفر والحضر، وكيف يتجرون إذ كان ذلك من أسباب المعايش.
وأما وجه الإجارة فقوله عز وجل: " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون " (2) فأخبرنا سبحانه أن الإجارة أحد معايش الخلق، إذ خالف بحكمته بين هممهم وإرادتهم، وسائر حالاتهم، وجعل ذلك قواما لمعايش الخلق وهو الرجل يستأجر الرجل في صنعته وأعماله وأحكامه وتصرفاته وأملاكه ولو كان الرجل منا مضطرا إلى أن يكون بناء لنفسه أو نجارا أو صانعا في شئ من جميع أنواع الصنايع لنفسه ويتولى جميع ما يحتاج إليه من إصلاح الثياب مما يحتاج إليه الملك، فمن دونه، ما استقامت أحوال العالم بذلك، ولا اتسعوا له ولعجزوا عنه، ولكنه تبارك وتعالى أتقن تدبيره، وأبان آثار حكمته لمخالفته بين هممهم وكل يطلب ما ينصرف إليه همته مما يقوم به بعضهم لبعض، وليستعين بعضهم ببعض في أبواب المعايش التي بها صلاح أحوالهم:
وأما وجه الصدقات، فإنما هي لأقوام ليس لهم في الامارة نصيب، ولا في العمارة حظ ولا في التجارة مال، ولا في الإجارة معرفة وقدرة، ففرض الله تعالى في أموال الأغنياء ما تقوتهم ويقوم بأودهم، وبين سبحانه ذلك في كتابه، وكان سبب ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح عليه من بلاد العرب ما فتح، وافت إليه الصدقات منهم فقسمها في أصحابه ممن فرض الله لهم، فسخط أهل الجدة من المهاجرين والأنصار، وأحبوا أن يقسمها فيهم، فلمزوه فيما بينهم وعابوه بذلك، فأنزل الله عز وجل " ومنهم من يلمزك في الصدقات فان أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها