الملك، والملك له وجوه أربعة: القدرة والهيبة والسطوة والأمر والنهي فأما القدرة فقوله تعالى: " إنما أمرنا لشي إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " (1) فهذه القدرة التامة التي لا يحتاج صاحبها إلى مباشرة الأشياء، بل يخترعها كما يشاء سبحانه ولا يحتاج إلى التروي في خلق الشئ بل إذا أراده صار على ما يريده من تمام الحكمة، واستقام التدبير له بكلمة واحدة، وقدرة قاهرة بان بها من خلقه.
ثم جعل الأمر والنهي تمام دعائم الملك ونهايته وذلك أن الأمر والنهي يقتضيان الثواب والعقاب والهيبة، والرجاء والخوف، وبهما بقاء الخلق، وبهما يصح لهم المدح والذم، ويعرف المطيع من العاصي، ولو لم يكن الأمر والنهي لم يكن للملك بهاء ولا نظام، ولبطل الثواب والعقاب، وكذلك جميع التأويل فيما اختاره سبحانه لنفسه من الأسماء.
وقد اعترض على ذلك بأن قيل: قد رأينا أصنافا من الحيوان لا يحصى عددها يبقى ويعيش بغير أمر ولا نهي، ولا ثواب لها ولا عقاب عليها، وإذا جاز أن يستقيم بقاء الحيوان المستبهم، ولا آمر له ولا ناهي، بطل قولكم: إنه لابد للناطقين من آمر وناه، وإلا لم يبقوا.
والرد عليهم هو أن الله تعالى لما خلق الحيوان على ضربين: مستبهم وناطق أطلق للنوع المستبهم أمرين، جعل قوامه وبقاءه بهما، وهو إدراك الغذاء ونيله وعرفانهم بالنافع والضار بالشم والتنسيم، وإنما أنبت عليهم من الوبر والصوف والشعر والريش ليكنهم من البرد والحر، ومنعهم أمرين النطق والفهم، وسخرهم للحيوان الناطق العاقل وغير العاقل أن يتصرفوا فيهم، وعليهم، كما يختارون، ويأمرون فيهم وينهون.
ولم يجعل في الناطقين معرفة الضار من الغذا، والنافع بالشم والتنسيم حتى أن أفهم الناس وأعقلهم لو جمعت الناس له ضروب الحشايش من النافع والضار والغذا والسم لم يميز ذلك بعقله وفكره، بل من جهة موقف فقد احتاج العاقل