نعمته، ولا مؤيسا من روحه، ولا مستنكفا عن عبادته، الذي بكلمته قامت السماوات السبع، وقرت الأرضون السبع، وثبتت الجبال الرواسي، وجرت الرياح اللواقح، وسارت في جو السماء السحاب، وقامت على حدودها البحار، فتبارك الله رب العالمين إله قاهر قادر ذل له المتعززون وتضاءل له المتكبرون، ودان طوعا وكرها له العالمون.
نحمده بما حمد به نفسه وكما هو أهله، ونستعينه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم ما تخفي النفوس وما تجن البحار وما تواري الأسراب وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار لا تواري منه ظلمة ولا تغيب عنه غائبة وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، ويعلم ما يعمل العاملون وإلى أي منقلب ينقلبون ونستهدي الله بالهدى، ونعوذ به من الضلال والردى.
ونشهد أن محمدا عبده ونبيه ورسوله إلى الناس كافة وأمينه على وحيه وأنه بلغ رسالة ربه وجاهد في الله المدبرين عنه، وعبده حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وآله.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي لا تبرح منه نعمة، ولا تفقد له رحمة ولا يستغني عنه العباد، ولا تجزى أنعمه الاعمال، الذي رغب في الآخرة، وزهد في الدنيا، وحذر المعاصي، وتعزز بالبقاء، وتفرد بالعز والبهاء، وجعل الموت غاية المخلوقين، وسبيل الماضين، فهو معقود بنواصي الخلق كلهم، حتم في رقابهم، لا يعجزه لحوق الهارب، ولا يفوته ناء ولا آئب، يهدم كل لذة ويزيل كل بهجة ويقشع كل نعمة.
عباد الله، ذلك أن الدنيا دار رضي الله لأهلها الفناء، وقدر عليهم بها الجلاء، فكل ما فيها نافد، وكل من يسلكها بائد، وهي مع ذلك حلوة خضرة، رائقة نضرة، قد زينت للطالب، ولاطت بقلب الراغب، يطيبها الطامع، ويحتويها الوجل الخائف، فارتحلوا رحمكم الله منها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد، ولا تطلبوا منها سوى البلغة، وكونوا فيها كسفر نزلوا منزلا فتمتعوا منه بأدنى ظل، ثم ارتحلوا لشأنهم