وتعيشهم فمن حقه أن يحمد عليها ولا يكفر، أو على قوله: " خلق " على معنى أنه خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شئ منه.
ومعنى " ثم " استبعاد عدولهم بعد هذا البيان، والباء على الأول متعلقة بكفروا وصلة يعدلون محذوفة أي يعدلون عنه ليقع الانكار على نفس الفعل، وعلى الثاني متعلقة بيعدلون والمعنى أن الكفار يعدلون بربهم الأوثان أي يسوونها به.
ثم استأنف عليه السلام الكلام تبريا عن المشركين وإظهارا لتوحيد رب العالمين بقوله: " لا نشرك بالله شيئا " فكأن سائلا يسأل فكيف تقولون أنتم؟ فأجاب بأنا لا ندعى لا في الخلق والتربية، ولا في استحقاق العبادة، ولا في الاستعانة " ولا نتخذ من دونه وليا " أي ناصرا ومحبا أو متوليا لأمورنا.
" والحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض " خلقا ونعمة " فله الحمد في الدنيا " لكمال قدرته وعلى تمام نعمته " وله الحمد في الآخرة " لان ما في الآخرة أيضا كذلك وتقديم الصلة للاختصاص فان النعم الدنيوية قد تكون بواسطة من يستحق الحمد لأجلها، ولا كذلك نعم الآخرة " وهو الحكيم " الذي أحكم أمور الدارين " الخبير " ببواطن الأشياء.
" يعلم ما يلج في الأرض " كالغيث ينفذ في موضع وينبع في موضع آخر، وكالكنوز والدفاين والأموات والحبات " وما يخرج منها " كالحيوان في النشأتين والنبات والفلذات ومياه العيون " وما ينزل من السماء " كالملائكة والكتب و المقادير والأرزاق والانداء والصواعق " وما يعرج فيها " كالملائكة وأعمال العباد والأبخرة والأدخنة " وهو الرحيم الغفور " للمفرطين في شكر نعمته مع كثرتها أي في الآخرة مع ما له من سوابق هذه النعم الفائتة للحصر.
ولما اقتبس تلك الآيات من الكتاب الحكيم، أكدها وأظهر الايمان والاذعان بها بقوله: " كذلك الله ربنا جل ثناؤه " عن أن يمكننا القيام به كما هو حقه ولا أمد له أزلا، ولا غاية له أبدا، ولا نهاية لنعمه وألطافه وكمالاته " ولا إله " أي معبود أو خالق " إلا هو وإليه المصير " في الآخرة.