والاقرار بكون النعم كلها منه تعالى، وهو المستحق للحمد عليها، وهي غاية عرفانه تعالى، والمعرفة هي العلة الغائية لخلق العالم، وبها يكمل نظامه فيظهر أثرها في الأرض ويتفرع عليه المثوبات الجليلة الأخروية الحاصلة في السماء.
وسؤاله عليه السلام أولا عن أن وضع ما في الدنيا بعضه فوق بعض هل يبلغ السماء من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس، أي ما ترونه في الدنيا من المحسوسات لو جمعتموها كلها لا يكون بحيث يملؤ الأرض والجو ويبلغ السماء، وهذه الكلمات الكاملات يملؤ الأرض أثرها، ويبلغ السماء نفعها، فهي خير مما طلعت عليه الشمس كما ورد في غيرها.
ولعل هذه الوجوه كلها أحسن مما قاله بعض العرفاء، يعني لو أردتم أن تدفعوا البلاء النازل من السماء بأيديكم بأن تصعدوا إلى السماء، وتمنعوه من النزول ما قدرتم عليه إلا أن لكم أن تدفعوه بنحو آخر وهو أن تقولوا ذلك بعد صلاتكم انتهى.
(والباقيات الصالحات) إشارة إلى قوله تعالى ﴿والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا﴾ (1) وقال البيضاوي: أي أعمال الخيرات التي تبقى لنا ثمراتها أبد الآباد، ويندرج فيها ما فسرت به من الصلوات الخمس، وأعمال الحج، وصيام رمضان، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، والكلام الطيب.
قوله عليه السلام: (وهن المعقبات) إشارة إلى قوله سبحانه (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله). (2) وفسرها الأكثر بملائكة الليل والنهار يتعاقبون وهم الحفظة يعقب بعضهم بعضها في حفظه جمع معقبة من عقب مبالغة عقبه إذا جاء عقبه كأن بعضهم يعقب بعضا، أو لأنهم يعقبون أقواله وأفعاله فيكتبونها، وقيل: هم عشرة أملاك على كل آدمي تحفظه من شر المهالك والمعاطب (من بين يديه ومن خلفه) أي من جوانبه، وقيل أي ما قدم وأخر من الاعمال (يحفظونه من أمر الله) أي من بأس الله أو بأمر الله.