ففعلت ثم عدت إليه وقلت: يا رسول الله عظنا عظة ننتفع بها، فقال: يا قيس إن مع العز ذلا، وإن مع الحياة موتا، وإن مع الدنيا آخرة، وإن لكل شئ حسيبا، وعلى كل شئ رقيبا، وإن لكل حسنة ثوابا، ولكل سيئة عقابا، وإن لكل أجل كتابا، وإنه يا قيس لابد لك من قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريما أكرمك وإن كان لئيما أسلمك، لا يحشر إلا معك ولا تحشر إلا معه ولا تسأل إلا عنه، ولا تبعث إلا معه، فلا تجعله إلا صالحا، فإنه إن كان صالحا لم تأنس إلا به، وإن كان فاحشا لا تستوحش إلا منه وهو عملك.
فقال قيس: يا رسول الله لو نظم هذا شعر لافتخرت به على من يلينا من العرب، فقال رجل من أصحابه يقال له الصلصال: قد حضر فيه شئ يا رسول الله أفتأذن لي بانشاده؟ فقال: نعم فأنشأ يقول:
تخير قرينا من فعالك إنما * قرين الفتى في القبر ما كان يفعل فلا بد للانسان من أن يعده * ليوم ينادى المرء فيه فيقبل فان كنت مشغولا بشئ فلا تكن * بغير الذي يرضى به الله تشغل فما يصحب الانسان من بعد موته * ومن قبله إلا الذي كان يعمل ألا إنما الانسان ضيف لأهله * يقيم قليلا عندهم ثم يرحل الثالث عن أبي الدرداء قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم جمعة فقال: أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشتغلوا، وأصلحوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا، وأكثروا من الصدقة ترزقوا، وأمروا بالمعروف تحصنوا، وانتهوا عن المنكر تنصروا، يا أيها الناس إن أكيسكم أكثركم ذكرا للموت وإن أحزمكم أحسنكم استعدادا له، ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسكني القبور، والتأهب ليوم النشور (1).