عليه لسهوه عند فيذكر به ذكره، ولولا أن الامر كذلك لجاز أن يولد منا انسان ببغداد وينشأ بها ويقيم عشرين سنة فيها ثم ينتقل إلى مصر آخر فينسى حاله ببغداد ولا يذكر منها شيئا، وإن ذكر به وعدد عليه علامات حاله ومكانه ونشوئه، وهذا مالا يذهب إليه عاقل. والذي صرح به أبو جعفر - رحمه الله - في معنى الروح والنفس هو قول التناسخية بعينه من غير أن يعلم أنه قولهم، فالجناية بذلك على نفسه وغيره عظيمة.
فأما ما ذكره من أن الأنفس باقية فعبارة مذمومة ولفظ يضاد ألفاظ القرآن، قال الله تعالى " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام (1) " والذي حكاه من ذلك وتوهمه هو مذهب كثير من الفلاسفة الملحدين الذين زعموا أن الأنفس لا يلحقها الكون والفساد، وأنها باقية وإنما تفنى وتفسد الأجسام المركبة، وإلى هذا ذهب بعض أصحاب التناسخ، وزعموا أن الأنفس لم تزل تتكرر في الصور والهياكل لم تحدث ولم تفن ولن تعدم وأنها باقية غير فانية، وهذا من أخبث قول وأبعده من الصواب وما دونه في الشناعة والفساد شنع به الناصبة على الشيعة ونسبوهم به إلى الزندقة، ولو عرف مثبته ما فيه لما تعرض له، لكن أصحابنا المتعلقين بالاخبار أصحاب سلامة وبعد ذهن وقلة فطنة، يمرون على وجوههم فيما سمعوه من الأحاديث، ولا ينظرون في سندها ولا يفرقون بين حقها وباطلها، ولا يفهمون ما يدخل عليهم في إثباتها، ولا يحصلون معاني ما يطلقونه منها والذي ثبت من الحديث في هذا الباب أن الأرواح بعد موت الأجساد على ضربين: منها ما ينقل إلى الثواب والعقاب، ومنها ما يبطل فلا يشعر بثواب ولا عقاب وقد روي عن الصادق عليه السلام ما ذكرنا في هذا المعنى وبيناه، وسئل عمن مات في هذه الدار:
أين تكون روحه؟ فقال: من مات وهو ماحض للايمان محضا أو ماحض للكفر محضا نقلت روحه من هيكله إلى مثله في الصورة وجوزي بأعماله إلى يوم القيامة، فإذا بعث الله من في القبور أنشأ جسمه ورد روحه إلى جسده وحشره ليوفيه أعماله، فالمؤمن ينتقل روحه من جسده إلى مثل جسده في الصورة، فيجعل في جنان من جنان الله يتنعم