بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٨ - الصفحة ٧٠
ولان غير الانسان من الحيوانات يدرك الجزئيات مع أن الاتفاق على أنا لا نثبت لها نفوسا مجردة.
ورد بأنا لا نسلم أن المدرك لهذه الحرارة هو العضو اللامس، بل النفس بواسطته ونحن لا ننازع في أن المدرك للكليات والجزئيات هو النفس، لكن للكليات بالذات وللجزئيات بالآلات. وإذا لم نجعل العضو مدركا أصلا لا يلزم أن يكون الادراك مرتين والانسان مدركين على ما قيل.
ويمكن دفعه بأنه يستلزم إما إثبات النفوس المجردة للحيوانات الاخر، وإما جعل احساساتها للقوى والأعضاء، وإحساسات الانسان للنفس بواسطتها، مع القطع بعدم التفاوت (1).
الثاني: أن كل واحد منا يعلم قطعا أن المشار إليه ب‍ " أنا " وهو النفس يتصف بأنه حاضر هناك وقائم وقاعد وماش وواقف ونحوذ لك من خواص الأجسام، و المتصف بخاصة الجسم جسم. وقريب من ذلك ما يقال: إن للبدن إدراكات هي بعينها إدراكات المشار إليه بأنا أعني النفس، مثل إدراك حرارة النار وبرودة الجمد وحلاوة العسل وغير ذلك من المحسوسات، فلو كانت النفس مجردة أو مغائرة للبدن امتنع أن تكون صفتها غير صفته.
والجواب: أن المشار إليه ب‍ " أنا " وإن كان هو النفس على الحقيقة، لكن كثيرا ما يشار به إلى البدن أيضا لشدة ما بينهما من التعلق، فحيث يوصف بخواص الأجسام

(1) ثبوت مرتبة من التجرد لنفوس سائر الحيوانات مثل ما تثبت لنفوس الأطفال مما لا ينفيه برهان إن لم يكن مما يثبته: واما دعوى القطع بعدم الفرق بين ادراك الانسان وسائر الحيوانات فغير مقبولة، فان القطع لو حصل فإنما يحصل بمشابهة مبادئ الإحساس في جميع الحيوانات " واما عدم اتحاد بعض هذه المبادئ بمبدأ أقوى وأكمل في بعضها - وهو لنفس الناطقة في الانسان - فمما لا يسمع دعوى القطع فيه. والأفعال الصادرة من الانسان كلها مستندة إلى النفس، ومنها ما يشترك بينها وبين النبات، فهل يصح دعوى القطع بعدم التفاوت بين الأفعال المشتركة بينهما؟.
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»
الفهرست