كالسند للشفتين تسمكهما وتدعمهما من داخل الفم. واعتبر ذلك بأنك ترى من سقطت أسنانه مسترخى الشفة ومضطربها، وبالشفتين يترشف الشراب، حتى يكون الذي يصل إلى الجوف منه بقصد وقدر، لا يثج (1) ثجا فيغص به الشارب أو ينكأ في الجوف.
ثم هما بعد ذلك كالباب المطبق على الفم يفتحهما الانسان إذا شاء ويطبقهما إذا شاء.
ففي ما وصفنا من هذا بيان أن كل واحد من هذه الأعضاء يتصرف وينقسم إلى وجوه من المنافع كما تتصرف الأداة الواحدة في أعمال شتى، وذلك كالفأس يستعمل في النجارة والحفر وغيرهما من الاعمال.
لو رأيت الدماغ إذا كشف عنه لرأيته قد لف بحجب بعضها فوق بعض لتصونه من الاعراض وتمسكه فلا يضطرب، ولرأيت عليه الجمجمة بمنزلة البيضة كيما يفته هد الصدمة (2) والصكة (3) التي ربما وقعت في الرأس. ثم قد جللت الجمجمة بالشعر حتى صار بمنزلة الفرو للرأس تستر من شدة الحر والبرد فمن حصن الدماغ هذا التحصين إلا الذي خلقه وجعله ينبوع الحس والمستحق للحيطة والصيانة لعلو منزلته من البدن وارتفاع درجته وخطر مرتبته؟!
[تأمل] يا مفضل الجفن على العين كيف جعل كالغشاء، والأشفار كالأشراج، وأولجها في هذا الغار، وأظلها بالحجاب وما عليه من الشعر!
[فكر] يا مفضل من غيب الفؤاد في جوف الصدر وكساه المدرعة التي هي غشاؤه وحصنه بالجوانح وما عليها من اللحم والعصب لئلا يصل إليه ما ينكأه؟ من جعل في الحلق منفذين: أحدهما لمخرج الصوت وهو الحلقوم المتصل بالرئة، والآخر منفذ للغذاء وهو المرئ المتصل بالمعدة، الموصل الغذاء إليها، وجعل على الحلقوم طبقا يمنع الطعام أن يصل إلى الرئة فيقتل؟ من جعل الرئة مروحة الفؤاد لا تفتر ولا تخل لكيلا