وتدبر ما وصفته، هل تجد الاهمال على هذا النظام والترتيب؟! تبارك الله عما يصفون.
أصف لك الآن يا مفضل الفؤاد. اعلم أن فيه ثقبا موجهة نحو الثقب التي في الرئة تروح عن الفؤاد، حتى لو اختلفت تلك الثقب فتزايل (1) بعضها عن بعض لما وصل الروح إلى الفؤاد ولهلك الانسان، فيستجير ذو فكر وروية أن يزعم أن مثل هذا يكون بالاهمال، ولا يجد شاهدا من نفسه ينزعه عن هذا القول.
لو رأيت فردا من مصراعين فيه كلوب (2) أكنت تتوهم أنه جعل كذلك بلا معنى؟
بل كنت تعلم ضرورة أنه مصنوع يلقى فردا آخر فتبرزه ليكون في اجتماعهما ضرب من المصلحة. وهكذا تجد الذكر من الحيوان كأنه فرد من زوج مهيأ (3) من فرد أنثى فيلتقيان لما فيه من دوام النسل وبقائه. فتبا وخيبة وتسعا لمنتحلي الفلسفة كيف عميت قلوبهم عن هذه الخلقة العجيبة حتى أنكروا التدبير والعمد فيها!
لو كان فرج الرجل مسترخيا كيف [كان] يصل إلى قعر الرحم حتى يفرغ النطفة فيه، ولو كان منعظا أبدا كيف كان الرجل يتقلب في الفراش ويمشي بين الناس و شئ شاخص أمامه! ثم يكون في ذلك مع قبح المنظر تحريك الشهوة في كل وقت من الرجال والنساء جميعا. فقدر الله - جل اسمه - أن يكون أكثر ذلك لا يبدو للبصر في كل وقت، ولا يكون على الرجال منه مؤنة، بل جعل فيه القوة على الانتصاب وقت الحاجة إلى ذلك لما قدر أن يكون فيه من دوام النسل وبقائه.
اعتبر الآن يا مفضل بعظم النعمة على الانسان في مطعمه ومشربه وتسهيل خروج الأذى. أليس من حسن التقدير في بناء الدار أن يكون الخلاء في أستر موضع فيها؟ فهكذا جعل الله سبحانه المنفذ المهيأ للخلاء من الانسان في أستر موضع منه فلم يجعله بارزا من خلقه ولا ناشرا من بين يديه، بل هو مغيب في موضع غامض من البدن مستور محجوب يلتقي