ثم إن المعدة والكبد والفؤاد إنما تفعل أفعالها بالحرارة الغريزية التي جعلها الله محتبسة في الجوف، فلو كان في البطن فرج ينفتح حتى يصل البصر إلى رؤيته واليد إلى علاجه لوصل برد الهواء إلى الجوف، فمازج الحرارة الغريزية وبطل عمل الأحشاء، فكان في ذلك هلاك الانسان. أفلا ترى أن كل ما تذهب إليه الأوهام سوى ما جاءت به الخلقة خطأ وخطل!.
أقول: قد مر شرح الجميع في كتاب التوحيد. من أراد ذلك فليرجع إليه (1).
31 - الدر المنثور: عن وهب بن منبه، قال: خلق الله ابن آدم كما شاء و بما شاء (2)، فكان كذلك، فتبارك الله أحسن الخالقين. خلق من التراب والماء، فمنه لحمه ودمه وشعره وعظامه وجسده، فهذا (3) بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم ثم جعلت فيه النفس، فبها يقوم ويقعد، ويسمع ويبصر، ويعلم ما تعلم الدواب، ويتقي ما تتقي. ثم جعلت فيه الروح، فبه عرف الحق من الباطل، والرشد من الغي، وبه حذر وتقدم واستتر وتعلم ودبر الأمور كلها. فمن التراب يبوسته، ومن الماء رطوبته.
فهذا بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم كما أحب أن يكون. ثم جعل فيه من هذه الفطر الأربع أنواعا من الخلق (4) في جسد ابن آدم، فهي قوام جسده وملاكه بإذن الله وهي المرة السوداء، والمرة الصفراء والدم والبلغم. فيبوسته وحرارته من قبل النفس ومسكنها في الدم، ورطوبته وبرودته من قبل الروح ومسكنه (5) في البلغم. فإذا اعتدلت هذه الفطر في الجسد فكان كل واحد ربع كان جلدا (6) كاملا وجسما صحيحا، و إن كثر واحد منها على صاحبه علاها وقهرها وادخل (7) عليها السقم من ناحيته، وإن قل عنها واحد (8) منها غلبت عليه وقهرته ومالت به، فضعف عن قوتها وعجز عن طاقتها