ما بين النار والطين، ولو قاس نورية آدم بنور النار عرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر، ولكن قس لي رأسك مع جسدك: أخبرني عن أذنيك مالهما مرتان؟ وعن عينيك مالهما مالحتان؟ وعن شفتيك مالهما عذبتان؟ وعن أنفك ماله بارد؟ فقال: لا أدري. فقال له: أنت لا تحسن (1) تقيس رأسك، تقيس الحلال والحرام؟!
فقال: يا ابن رسول الله، أخبرني كيف ذلك. فقال: إن الله عز وجل جعل الاذنين مرتين لئلا يدخلهما شئ إلا مات، ولولا ذلك لقتلت الدواب ابن آدم. وجعل العينين مالحتين لأنها شحمتان ولولا ملوحتهما لذابتا. وجعل الشفتين عذبتين ليجد ابن آدم طعم الحلو والمر. وجعل الانف باردا سائلا لئلا يدع في الرأس داء إلا أخرجه ولولا ذلك لثقل الدماغ وتدود.
وقال البرقي: وروى بعضهم أنه قال في الاذنين: لامتناعهما من العلاج.
وقال في موضع ذكر الشفتين الريق: فإنما عذب الريق ليميز [به] بين الطعام و الشراب وقال في ذكر الانف: لولا برد ماء (2) الانف وإمساكه الدماغ لسال الدماغ من حرارته (3).
ومنه: عن أبيه: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن إبراهيم بن هاشم عن أحمد بن عبد الله العقيلي، عن عيسى بن عبد الله القرشي، رفع الحديث وذكر مثله إلى قوله " وتدود " (4).
بيان: " وتدود " أي تولد فيه الدود، " لامتناعهما من العلاج " أي لتكونا بطبعهما آبيتين (5) ممتنعتين عن أن يعالج الدواب فيهما بعد دخولهما بل تموت أو تخرج أو لأنهما لكونهما غائرتين في الرأس يشكل علاجهما إذا لذعتهما هامة أو دابة فينفذ السم سريعا إلى الدماغ فيهلك.