" إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (1) كما أن البدن بل اللحم الصنوبري من عالم الخلق وهو نقيض ذلك " ألا له الخلق والامر " (2) وقد يعبر عنها بالنفس الناطقة " ونفس ما سواها فألهمها فجورها وتقواها " (3) وبالروح " قل الروح من أمر ربي " (4)، " و نفخت فيه من روحي (5) - ثم قال بعد تفسير السمع والبصر -: والحق عندي أن نسبة البصر إلى العين نسبة البصيرة إلى القلب، ولكل من القلب والعين نور، أما نور العين فمنطبع فيها لأنه من عالم الخلق، فهو نور جزئي، ومدركه في ذلك النور. ولكل منهما بل لكل فرد منهما حد ينتهي إليه بحسب شدته وضعفه ويتدرج في الضعف بحسب تباعد المرئي حتى لا يدركه أو يدر كه أصغر مما هو عليه - انتهى -.
أقول: وقد مضى تفسير الختم وتأويله في كتاب العدل.
" لا تعلمون شيئا " قال الزمخشري: هو في موضع الحال، أي غير عالمين شيئا من حق المنعم الذي خلقكم في البطون وسواكم ثم أخرجكم من الضيق إلى السعة " وجعل لكم " معناه: وركب فيكم هذه الأشياء آلات لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه واجتلاب العلم والعمل به من شكر المنعم وعبادته والقيام بحقوقه والترقي إلى ما يسعدكم.
وقال النيسابوري، اعلم أن جمهور الحكماء زعموا أن الانسان في مبدأ فطرته خال عن المعارف والعلوم، إلا أنه تعالى خلق السمع والبصر والفؤاد وسائر القوى المدركة حتى ارتسم في خياله بسبب كثرة ورود المحسوسات عليه حقائق تلك الماهيات وحضرت صورها في ذهنه. ثم إن مجرد حضور تلك الحقائق إن كان كافيا في جزم الذهن بثبوت بعضها لبعض أو انتفاء بعضها عن بعض فتلك الأحكام علوم بديهية. وإن لم يكن