فمنها أن للروح في حالة النوم حركة إلى السماء، إما بنفسها بناء على تجسمها كما هو الظاهر من الاخبار، أو بتعلقها بجسد مثالي إن قلنا به في حال الحياة أيضا بأن يكون للروح جسدان أصلي ومثالي يشتد تعلقها في حال اليقظة بهذا الجسد الأصلي، ويضعف تعلقها بالآخر، وينعكس الامر في حال النوم، أو بتوجهها وإقبالها إلى عالم الأرواح بعد ضعف تعلقها بالجسد بنفسها من غير جسد مثالي، وعلى تقدير التجسم أيضا يحتمل ذلك كما يومى ء إليه بعض الأخبار، بأن يكون حركتها كناية عن إعراضها عن هذا الجسد وإقبالها إلى عالم آخر وتوجهها إلى نشأة أخرى، وبعد حركتها بأي معنى كانت ترى أشياء في الملكوت الأعلى، وتطالع بعض الألواح التي أثبتت فيها التقديرات. فإن كان لها صفاء ولعينها ضياء يرى الأشياء كما أثبتت، فلا تحتاج رؤياه إلى تعبير، وإن استدلت على عين قلبه أغطية أرماد التعلقات الجسمانية و الشهوات النفسانية فيرى الأشياء بصور شبيهة لها، كما أن ضعيف البصر ومؤف العين يرى الأشياء على غير ما هي عليه، والعارف بعلته (1) يعرف أن هذه الصورة المشبهة التي اشتبهت عليه صورة لأي شئ. فهذا شأن المعبر العارف بداء كل شخص وعلته ويمكن أيضا أن يظهر الله عليه الأشياء في تلك الحالة بصور يناسبها لمصالح كثيرة، كما أن الانسان قد يرى المال في نوم بصورة حية، وقد يرى الدراهم بصورة عذرة، ليعرف أنهما يضران وهما مستقذران واقعا، فينبغي أن يتحرز عنهما ويجتنبهما. وقد ترى في الهواء أشياء فهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها، ويحتمل أن يكون المراد بما يراه في الهواء ما أنس به من الأمور المألوفة والشهوات والخيالات الباطلة، وقد مضى ما يدل على هذين النوعين في رواية محمد بن القاسم ورواية معاوية بن عمار وغيرهما.
ومنهما ما هو بسبب إفاضة الله تعالى عليه في منامه إما بتوسط الملائكة أو بدونه كما يومئ إليه خبر أبي بصير وسعد بن أبي خلف.
ومنها ما هو بسبب وسواس الشيطان واستيلائه عليه بسبب المعاصي التي عملها في اليقظة أو الطاعات التي تركها فيها أو الكثافات والنجاسات الظاهرية والباطنية التي